مشاهدة النسخة كاملة : أصل الغجر من هم


الجشعمي
18-11-2010, 08:02 AM
http://illiweb.com/fa/empty.gif أصل الغجر من هم (http://www.alqwafel.com/montada-f55/topic-t1435.htm#4144)








من هم الغجر ؟ ومن أين يأتون ؟ إلى أين يرحلون ؟
عالم أشبه بالأساطير ، ظن البعض أن ولوجه محرماً. واعتبر كثيرون أنه وقف على أصحابه ، لا يعرف أسراره سواهم ، يطوون هذه الأسرار بين خباياهم ـ في الشتاء يغرقونها في السواحل، وفي الصيف ينقلونها معهم إلى أعالي الجبال. الرجال والنساء يعملون، كل له عمله الخاص به.
منذ أمد بعيد والمحاولات جارية للكشف عن سر تلك الجماعات التي تملك في كل بلد مكاناً. والتي تعيش مع الحضارة وعلى هامشها في آن معاً. دويلات داخل الدول، لها كل المقومات إلا مقومات الأرض والحدود.
مئات الكتب خصصت للحديث عنهم ، وجميع الوسائل استخدمت لخرق أسرار أصلهم ، وفك رموز رحيلهم الدائم، وتسلسل اختلاط قبائلهم. بيد أن سر الغجر ما يزال غامضاً، وشعبهم ما زال أكثر الشعوب مدعاة إلى الدهشة في تاريخ البشرية. ذلك أنهم آخر من يمد يد العون لعلماء التاريخ، الذين ينكبون على دراسة أصلهم، فيخرجون باستنتاجات متناقضة ، وبلمحات من الحقيقة التاريخية ممزوجة بحكايات وأساطير ، لا يُعرف مدى ارتباطها بالوقائع التاريخية وتضخيمها لها.
يعيش الغجر في أوروبا في رحيل بطيء ، ولأنهم رُحّل يبتعد الناس عنهم ويخافونهم . فالناس لا يحبذون أن يتصرف الآخرون على غير شاكلتهم . وهذا ما دفع بالأوروبيين لأن ينظروا إلى الغجر على غير حقيقتهم ، ويحملونهم بعض ما لا يطيقون من الأوزار. اتهموهم بسرقة الأطفال، والواقع أن هذه التهمة لا تمت للحقيقة بصلة، إذ درج الغجر على التقاط الأولاد المنبوذين ، فسارع الناس إلى صبغ هذه العادة بنوايا سوداء ، وقالوا أن الغجر إنما يلتقطون الأطفال لتشغيلهم فيما بعد.
قام بعض المؤرخين بإجراء دراسات حول الغجر ، ومن خلال استنتاجاتهم تبين لديهم أن تاريخ هذه القبائل يعود إلى أصول البشرية تقريباً ، أي إلى ما قبل ثلاثة آلاف سنة من التاريخ القديم. فقد تجمعت آنذاك على شواطئ الهندوس قبيلة من الجنس الأبيض ، يتقن أفرادها صنع المعادن ، ويعرفون أسرار البرونز . تلك الأسرار التي اطلعوا عليها شعوباً أخرى ، عندما حان موعد الهجرة الكبرى.
بدأت هذه الهجرة حوالي سنة 1000 ق.م ، فانطلق العجر من الهند، وتوجهوا نحو آسيا الصغرى . ومن هناك تفرقوا إلى مجموعتين كبيرتين ، انقسمتا إلى فروع متعددة.
اتجهت قافلة جزيرة كريت وبلاد البلقان. وتقدمت أخرى نحو مصر وأفريقيا الشمالية لتصل أخيراً إلى أسبانيا . وتفرع عنها قسم اجتاز شبه الجزيرة الإيطالية ، وعبر منها إلى سويسرا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا، ومن هناك إلى انكلترا.
ومن الفرعين الأساسيين ، انطلقت فروع في اتجاهات عدة، فبلغت أوروبا الشمالية والدانمارك والسويد.
اكتشف المؤرخون أن الغجر زرعوا أولى بذور الحضارة في كل مكان اجتازوه ، منذ أزمنة ما قبل التاريخ . حتى إن هوميروس أطلق عليها اسم «شعب النجمة» . وقد أسس بعضهم بقيادة زعمائهم بلداناً كألبانيا ، التي تأخذ اسمها من كلمة «ألبا» أي أبيض. وكانت كلمة أبيض تطلق على الرؤساء بصفة خاصة ، وتطلق بصفة عامة على الشغب الغازي المنتصر ، بينما تطلق كلمة «أسود» على الشعوب المغلوبة على أمرها.
وكان من شيوع استعمال كلمة أبيض عند الغجر ، ما حمل بعض المؤرخين غلى اتخاذها بمثابة مؤشر لتتبع آثار هجراتهم حتى أقدم الأزمنة. فكانت لهم عوناً أكيداً ، لأن تراث هذا الشعب الرّحّال ، تراث شفهي كله ، ينتقل من الأم إلى ابنتها ، ولا يمكن معرفة شيء عنه ، سوى ما يقبل الغجر بكشفه.
أسفرت البحوث عن أن الغجر هاجروا حوالي سنة 500 ق.م إلى أسبانيا ، مروراً بالمغرب ، وصادفوا الكثير من الاضطهاد في شبه الجزيرة «الأيبيرية» وأطلق عليهم اسم «السود» ، أما في قشطيليلة فقد أطلق عليهم لقب «خيتانونس» أي الأشرار.
ولكن حين يطلب الباحث الحقيقة من أفواه أصحابها ، يجد أن الأساطير تختلط لديه بالوقائع التاريخية . فالغجر يتقنون رواية القصص ، ويزينون بالحكايات الخارقة أطول السهرات ...
وهم يؤكدون أنه من الطبيعي جداً أن يرى الغجر المستقبل بأكثر وضوح من سائر الشعوب، لأنهم شعب مختار ، ويؤكدون مقولة عمرها نصف قرن تقول أن الغجر ، حين تحين ساعتهم ، وينتهي الناس البلهاء من إفناء بعضهم بعضاً ، بإطلاقهم قوى عشواء ، ينزلون من جبال تيبت ، ويصبحون ينبوع حياة جديدة على الأرض.
ويطلق الغجر على أنفسهم ألقاباً مختلفة ، كأولاد الطرقات ، وشهود الزمان ، وأبناء الرياح لأنهم لا يركنون أبداً إلى مكان ثابت.
إن من يستقصي أخبار الغجر ، يتضح له أنهم قد انتظموا منذ أمد بعيد في طبقات اجتماعية تختلف عاداتها وطرق حياتها .
انهم يصنفون إلى مجموعتين رئيسيتين : المانوش والروم.
يشكل المانوش قاعدة الهرم الاجتماعي عند الغجر ، ويتكلمون لغة ، تقربها من الألمانية نقاط تشابه عديدة . ويكثر من بينهم الموسيقيون وعازفو الكمان والغيتار.
أما الروم فينقسمون إلى ثلاث فئات ، أو طبقات اجتماعية : اللوارا ، والتشوراترا ، والكالديراش.
يحتل اللوارا مبدئياً قمة الهرم الاجتماعي. ومن وظائفهم الرئيسية نقل أسرار الأجداد من الأم إلى ابنتها ، وكذلك القوانين التي تسير عليها قبائل الغجر منذ فجر التاريخ . وكانت هذه الفئة تحصل على قوتها من الاتجار بالخيل ، ثم ما لبثت أن تحولت ببطء إلى الاتجار بالسيارات المستعملة . وهي تتواجد بكثرة في ألمانيا الغربية وهولندا وبلجيكا وفرنسا.
ليس من نقاط تشابه بين اللوارا والتشوراترا سوى تجارة الخيل . وفيما عدا ذلك ، فإن أعضاء هذه الفئة يفضلون المشاجرات على الكمان والغيتار، ويحبون التنقل أكثر من جميع أقرانهم، حتى أنهم نادراً ما يبقون في مكان واحد أكثر من ساعات معدودة.
أما الكالديراش ، فهم أقل القبائل تنقلاً ، حتى ليعتبرهم البعض شبه حضر. ومن عاداتهم أن يقيموا في ضواحي المدن ويمارسوا فيها حرفهم اليدوية لبعض الوقت . ثم لا يلبث الحنين إلى الرحيل أن يحملهم على شد رحالهم ، لأنهم هم أيضاً من «أبناء الرياح».
الجديد بالذكر أن للغجر ، من حيث أتوا ، وإلى أي طبقة اجتماعية انتموا ، لغة مشتركة أسهمت كثيراً في الحفاظ على وحدة عميقة بين صفوفهم .
يقيمون عليهم رئيساً ، يمكن تمييزه بوضوح من عصاه والأزرار المذهبة على سترته . وهذا الرئيس يمارس سلطة قريبة من السلطة المطلقة ، كما أنه يطلق الأحكام القضائية ، ولا استئناف لحكمه.
وفضلاً عن ذلك ، فإنه هو الذي يبارك الزواج ، وفقاً لعادات قديمة ، تقوم على تقديم الخبز والملح للخطيبين ، ومبادرتهما بالصيغة التالية : «عندما لا يبقى لهذا الخبز وهذا الملح أي طعم في فمكما ، تكونان قد مللتما واحدكما الآخر» ثم يجرح معصمي الرجل والمرأة ويمزج دمائهما.
ووما يذكر أنه قد تردد الحديث في الستينات عن إنشاء دولة مستقلة للغجر ، وقد تدخلت الأمم المتحدة في الموضوع ... ولكن لم يسفر عن أية نتيجة . والسبب الذي أعطى عن ذلك ، هو أن عشرات الألوف من الغجر عارضوا هذا المشروع.
لماذا عارض هؤلاء؟
يبدو أن الإجابة عن هذا السؤال تعد من الأسرار التي يحتفظ بها الغجر بشدة. ولكن ما يعرف بالتأكيد ، هو أن الغجر يعتبرون أنفسهم: «أبناء الرياح ... الشعب المختار».
يقول مثل غجري: «إذا قطعت غجرياً إلى عشرة أقسام، فلا تظن أنك قتلته. وإنما أنت في الحقيقة قد صنعت منه عشرة غجريين».
ـــــــــــــــــــــــ
منقول «المصدر : عادات الشعوب وتقاليدها - أديب أبي ضاهر».