مشاهدة النسخة كاملة : «أَغْنَجُ مِنْ مِسْخ»


القشعمي
06-12-2010, 04:53 PM
«أَغْنَجُ مِنْ مِسْخ»

وهوَ مَثَلٌ يُقَالُ فِيْمَنْ تَـكَلَّفَ النُّعُوْمَة، وسَلَكَ في التَّمَايُعِ مَسَالِكَ مَذْمُوْمَة، والمِسْخُ جِنْسٌ مِنَ البَشَر، يَـجْمَعُ بَيْنَ الأُنْثَى والذَّكَر، وهوَ أَصْلاً فَتىً نَاقِصُ الرُّجُوْلَة، يُطِيْلُ أَمَامَ المِرْآةِ مُثُوْلَه، ويَلْبَسُ أَضْيَقَ المَلابِس، ولأُخْتِهِ دَائماً يُنَافِس، وقَدْ يُطَوِّرُ في الغَنَجِ سُلُوْكَه، فَيُبَرْوِزُ وَجْهَهُ بِأَغْرَبِ سَكْسُوْكَة.

وأَصْلُ المَثَلِ أنَّ رَجُلاً قَضَى عَلَيْهِ العَنَاء، أنْ يُـحَقِّقَ رَغْبَةَ أُخْتِهِ الرَّعْنَاء، وكَانَتْ فَـتَاةً رَدِيْئةَ النَّصِيْب، وسَبَقَ أنْ طَلَبَها أَكْثَرُ مِنْ خَطِيْب، فكَانَتْ تُعْلِنُ لأَهْلِها عَنْ إحْجَامِها، لِكَوْنِهِمْ لا يُشْبِهُوْنَ فَارِسَ أَحْلامِها، وأنَّـها لا تَرْغَبُ أنْ يَـجْمَعَها زِفَاف، إلاّ مَعَ مَنْ يُشْبِهُوْنَ نُجُوْمَ الغِلاف، وبِخَاصَّةٍ مَنْ تَظْهَرُ عَلَيْهِمُ المُيُوْعَة، ولَـهُمْ في الغِنَاءِ أَعْمَالٌ مَسْمُوْعَة، فرَثَى أَخُوْها لِرَغْبَتِها المَهْوُوْسَة، وخَافَ أنْ تُدْرِكَ أُخْتَهُ العُنُوْسة، فطَافَ يَبْحَثُ عَمَّنْ تِلْكَ صِفَاتُه، وطَالَ في الرِّجَالِ تَفَرُّسُهُ والْتِفَاتُه، فلَمْ يَـجِدْ في أُولَئكَ طِلاَبَه، فَاسْتَشَارَ في الأَمْرِ أَصْحَابَه، فأَخْبَرُوْهُ أنَّـهُمْ يَكْثُرُوْنَ في الأَمَاكِنِ القَمِيْئة، وفي المَقَاهي الـخَافِتَةِ والشَّوَارِعِ المُضِيْئة، ولا يَـخْرُجُوْنَ إلاّ في المَسَاء، ولا يَكَادُوْنَ يُمَيَّـزُوْنَ عَنِ النِّسَاء.

ومِنْ فَوْرِهِ وَثَبَ الأَخُ الـحَرِيْص، وبَعْدَ طُوْلِ بَحْثٍ وتَـمْحِيْص، عَثَرَ عَلَى فَتىً نَاعِمِ الأَطْرَاف، وتَنْطَبِقُ عَلَيْهِ مُعْظَمُ الأَوْصَاف، وكَانَ قَابِعاً في المَقْهَى وَحْدَه، يَدْهُنُ بِـبَعْضِ المُرَطِّبَاتِ جِلْدَه، ويَرْفَعُ بَعْضَ خُصُلاتِهِ عَنْ جَبِيْنِه، ثُمَّ اتَّكَأَ بِأَسْفَلِ فَكِّهِ عَلَى يَمِيْنِه، وأَرْخَى حِزَامَ بِنْطَالِهِ اللَّـزَّاز، وظَلَّ مُسْتَرْخِياً يُشَاهِدُ التِّلْفَاز، وأَثْنَاءَ انْسِجَامِهِ في المُشَاهَدَة، هَزَّزَ عِطْفَيْهِ ولَوَّى سَاعِدَه، وأَخَذَ يَتَـمَايَلُ مَعَ الأُغْنِيَة، وهوَ في حَالَةٍ مُنْتَشِيَة، ثُمَّ الْتَفَتَ في نُعُوْمَةٍ واسْتَدَار، واسْتَدْعَى النَّادِلَ (كُوْمَار)، وطَلَبَ أَنْ يُغَـيِّـرَ القَنَاة، وأنْ يُـحْضِرَ لهُ مِرْآة، فأَعَادَ تَنْعِيْمَ وَجْهِهِ البَرَّاق، ثُمَّ شَكا إلى النَّادِلِ غَبَاوَةَ الـحَلاّق، وكَيْفَ أنَّهُ لِقِلَّةِ خِبْرَتِه، كَادَ يَقُصُّ طَرَفَ طُرَّتِه، وكَيْفَ أنَّ خُشُوْنَةَ يَدَيْه، أَوْشَكَتْ أنْ تَـجْرَحَ خَدَّيْه، فنَظَرَ إليهِ النَّادِلُ بِازْدِرَاء، ثُمَّ تَـرَاجَعَ عَنْهُ إلى الوَرَاء.

وكَانَ الأَخُ يَتَـرَقَّبُ فُرْصَةً مُنَاسِبَة، لِكَي يُدَاخِلَهُ ويَـجْلِسَ جَانِبَه، وفَجْأَةً انْتَفَضَ الفَـتَى وثَار، لَـمَّا تَسَلَّـلَ إليهِ صُرْصَار، فانْتَـهَزَ عَجِلاً الفُرْصَةَ واغْتَنَم، ووَثَبَ يَسْحَقُ الصُّرْصَارَ بِالقَدَم، فشَكَرَهُ الفَـتَى ودَعا لَه، وكَانَ مِنْ ضِمْنِ ما قَالَه:

يَا رَبِّ احْفَظْهُ مِنَ الـحَشَرَات، واحْـمِهِ مِنَ القِشْرَةِ والتَّشَقُّقَات، وارْزُقْهُ أَجْـمَلَ العُطُوْرِ والأَصْبَاغ، وامْلأْ كُلَّ أَوْقَاتِهِ بِالفَرَاغ، ولا تَقْصِفْ يَا رَبِّ ظُفْرَه، ولا تُـرِهِ في المَـنَامِ فَأْرَة، وعَلِّمْهُ الرَّقْصَ والسَّخَافَة، وزِدْ خَصْرَهُ نَحَافَة.

وكانَ الأَخُ وَاقِفاً في ذُهُوْل، ولا يَدْرِي مَاذا يَقُوْل، ومُذْ أَتَمَّ السَّخِيْفُ دُعَاءهُ السَّالِف، هَـمَّ بِاحْتِضَانِ صَاحِبِنا الوَاقِف، فأَبْعَدَهُ عَنْهُ ودَفَعَه، ورَكَلَهُ حَتَّى أَوْقَعَه، وقَالَ: تَـبّاً لَكَ مِنْ نَاقِص، وخُنْفُسٍ مُقَزِّزٍ رَاقِص، ولَوْلا المَلامَةُ والتَّعْنِيْف، لأَدْخَلْتُ رَأْسَكَ في الكَنِيْف، أَلاَ سُحْقاً لِـجِنْسِكَ المَمْسُوْخ، ولِصَدْرِكَ النَّاتِئِ المَنْفُوْخ، ثُمَّ جَذَبَهُ مِنْ سَلْسَالِه، وتَلَّهُ مِنْ حِزَامِ بِنْطَالِه، وقَذَفَهُ خَارِجَ المَكَان، وتَبِعَتْهُ مِنْهُ بَصْقَـتَان، وصَاحَ: العُنُوْسَةُ والبَوَار، ولا الاصْطِلاءُ بِالعَار.

وحِيْنَمَـا اشْرَأَبَّتْ نَفْسُهُ الـجَائشَة، أَقْسَمَ أنْ يُؤَدِّبَ أُخْتَهُ الطَّائشَة، وأَخَذَتْهُ نَشْوَةُ المَرَاجِل، فزَوَّجَها (كُوْمَارَ) النَّادِل، وقالَ لَـها: رَجُلٌ مُكْتَمِلٌ وَضِيْع، ولا خُنْفُسٌ ذُو حَسَبٍ رَفِيْع، ويَوْمَ لامَهُ أَبُوْه، أَنْشَدَ لا فُضَّ فُوْه:



فَدَيْتُكَ لا تَعْجَلْ بِلَوْمِيَ يَا أَبِي *** وَلُمْ أُخْتِيَ الرَّعْنَاءَ إنْ كُنْتَ لائما

أَتَاها مِنَ الـخُطَّابِ كُلُّ مُبَجَّلٍ *** فَلَمْ تَبْغِ إلاّ أَمْلَسَ الـخَدِّ نَاعِما

يُغَنِّي، وَإنْ غَنَّتْهُ بَادَرَ رَاقِصاً *** وَيَشْهَقُ رُعْباً لَوْ رَأَى الفَأْرَ قَادِما

وَيَلْبَسُ بِنْطَالاً وَيَمْضَغُ عِلْكَةً *** وَيَكْسُو الـحُلَى أَقْدَامَهَ وَالمَعَاصِما

فَطُفْتُ مَقَاهِي الـحَيِّ حَتَّى وَجَدْتُهُ *** لِتِلْكَ الصِّفَاتِ الآنِفَاتِ مُوَائما

وَأَمْعَنْتُ فِيْهِ الطَّرْفَ أَسْبُـرُ نَوْعَهُ *** أَأُنْثَى أَرَى؟ لا، رُبَّمَـا كُنْتُ وَاهِما!

وَرَاقَبْتُهُ كَي أَسْتَبِيْنَ فِعَالَهُ *** فَأَبْصَرْتُ مِنْهُ الفَاجِعَاتِ القَوَاصِما

تَسَلَّـلَ صُرْصَارٌ إلَيْهِ فَرَاعَهُ *** وَأَجْرَى مِنَ البِنْطَالِ وَالعَيْنِ سَاجِما

فَلَمْ أَتْرُكِ الصُّرْصَارَ حَتَّى سَحَقْتُهُ *** فَأَغْنَمَنِي بِاسْمِ الدُّعَاءِ المَغَارِما

يَقُوْلُ: إلَـهِي هَبْهُ عِطْراً وَصِبْغَةً! *** وَلا تُرِهِ فَأْراً مَتَى كَانَ نَائما!

وَرَامَ احْتِضَانِي وَيْلَهُ مِنْ مُشَوَّهٍ *** فَقُمْتُ إلَيْهِ ضَارِباً فِيْهِ شَاتِـما

وَأَقْسَمْتُ أَنْ أَقْتَادَ أُخْتِي لِـمَا أَرَى *** فَزَوَّجْتُها وَافِـي الرُّجُوْلَةِ حَازِما

وَوَاللهِ لا أَرْضَى لَـهَا المِسْخَ سَيِّداً *** وَأَرْضَى لَـهَا (كُوْمَارَ) لَوْ كَانَ خَادِما

لَعَمْرُكَ مَا الأُنْثَى تَذُوْبُ مُيُوْعَةً *** بِأَغْنَجَ مِنْ مِسْخٍ يُـهِيْنُ المَكَارِما

الجشعمي
08-12-2010, 02:52 PM
مني لاعز الناس حلو التراحيب؛؛
مضمونها تقدير من قلب صافي؛؛
سلام ياراعي الوفا والمواجيب؛؛
سلام يازين مع الناس وافي؛؛
لك منزل بين الضلوع المحاديب؛؛
عساك دايم بالوجود متعافي.0
القشعمي تقبل مرورك لك

ذياب بن غانم
16-12-2010, 09:32 AM
تسلم اخي



تصوير رائع لكل مائع


لا فض فوك