مشاهدة النسخة كاملة : ردَّ الصبا بعدَ شيبِ اللمة الغزلُ (محمود البارودي)


صقـر عتيبـة
04-01-2009, 12:27 AM
ردَّ الصبا بعدَ شيبِ اللمة ِ الغزلُ = وَراحَ بِالْجِدِّ مَا يَأْتِي بِهِ الْهَزَلُ
وَعَادَ مَا كَانَ مِنْ صَبْرٍ إِلَى جَزَعٍ = بَعْدَ الإِباءِ؛ وَأَيَّامُ الْفَتَى دُوَلُ
فَلْيَصْرِفِ اللَّوْمَ عَنِّي مَنْ بَرِمْتُ بِهِ = فليسَ للقلبِ في غيرِ الهوى شغلُ
وَ كيفَ أملكُ نفسي بعدَ ما ذهبتْ = يومَ الفراقِ شعاعاً إثرَ منْ رحلوا ؟
تَقَسَّمَتْنِي النَّوَى مِنْ بَعْدِهِمْ، وَعَدَتْ = عنهمْ عوادٍ ؛ فلا كتبٌ ، وَ لاَ رسلُ
فالصبرُ منخذلٌ ، وَ الدمعُ منهملٌ = وَالْعَقْلُ مُخْتَبِلٌ، وَالْقَلْبُ مُشْتَغِلُ
أرتاحُ إنْ مرَّ منْ تلقائهمْ نسمٌ = تَسْرِي بِهِ فِي أَرِيجِ الْعَنْبَرِ الأُصُلُ
ساروا ، فما اتخذتْ عيني بهمْ بدلاً= إِلاَّ الْخَيَالَ، وَحَسْبِي ذَلِكَ الْبَدَلُ
فَخَلِّ عَنْكَ مَلامِي يَا عَذُولُ، فَقَدْ = سرتْ فؤادي - على ضعفٍ بهِ - العللُ
لاَ تَحْسَبَنَّ الْهَوَى سَهْلاً؛ فَأَيْسَرُهُ = خَطْبٌ لَعَمْرُكَ لَوْ مَيَّزْتَهُ جَلَلُ
يَسْتَنْزِلُ الْمَلْكَ مِنْ أَعْلَى مَنَابِرِهِ = وَيَسْتَوِي عِنْدَهُ الرِّعْدِيدُ وَالْبَطَلُ
فكيفَ أدرأُ عنْ نفسي وَ قدْ علمتْ = أَنْ لَيْسَ لِي بِمُنَاوَاة ِ الْهَوَى قِبَلُ؟
فَلَوْ قَدَرْتُ عَلَى شَيْءٍ هَمَمْتُ بِهِ = فِي الْحُبِّ، لَكِنْ قَضَاءٌ خَطَّهُ الأَزَلُ
وَ للمحبة ِ قبلي سنة ٌ سلفتْ = فِي الذَّاهِبِينَ؛ وَلِي فِيمَنْ مَضَى مَثَلُ
فإنْ تكنْ نازعتني النفسُ باطلها= وَأَطْلَعَتْنِي عَلَى أَسْرَارِهَا الْكِلَلُ
فَقَدْ أَسِيرُ أَمَامَ الْقَوْمِ ضَاحِيَة ً = وَالْجَوُّ بِالْبَاتِرَاتِ الْبِيضِ مُشْتَعِلُ
بِكُلِّ أَشْقَرَ قَدْ زَانَتْ قَوَائِمَهُ = حُجُولُهُ غَيْرَ يُمْنَى زَانَها الْعَطَلُ
كَأَنَّهُ خَاضَ نَهْرَ الصُّبْحِ، فَانْتَبَذَتْ = يمناهُ وَ انبثَّ في أعطافهِ الطفلُ
زُرْقٌ حَوَافِرُهُ، سُودٌ نَوَاظِرُهُ = خُضْرٌ جَحَافِلُهُ، فِي خَلْقِهِ مَيَلُ
كأنَّ في حلقهِ ناقوس راهبة ٍ = باتتْ تحركهُ ، أوْ راعدٌ زجلُ
يَمُرُّ بِالْوَحْشِ صَرْعَى فِي مَكَامِنِهَا = فما تبينُ لهُ شدا ؛ فتنخذلُ
يرى الإشارة في وحى ؛ فيفهمها = وَ يسمعُ الزجرَ منْ بعدٍ ؛ فيمتثلُ
لاَ يملكُ النظرة َ العجلاءَ صاحبها = حتى تمرَّ بعطفيهِ فتحتبلُ
إنْ مرَّ بالقومِ حلوا عقدَ حبوتهمْ = وَ استشرفتْ نحوهُ الألبابُ وَ المقلُ
تَقُودُهُ بِنْتُ خَمْسٍ؛ فَهْوَ يَتْبَعُهَا = وَ يستشيطُ إذا ها هي بهِ الرجلُ
أُمْضِي بِهِ الْهَوْلَ مِقْدَاماً، وَيَصْحَبُنِي = ماضي الغرارِ إذا ما استفحلَ الوهلُ
يَمُرُّ بِالْهَامِ مَرَّ الْبَرْقِ فِي عَجَلٍ = وَقْتَ الضِّرَابِ، وَلَمْ يَعْلَقْ بِهِ بَلَلُ
تَرَى الرِّجَالَ وُقُوفاً بَعْدَ فَتْكَتِهِ = بِهِمْ، يُظَنُّونَ أَحْيَاءً وَقَدْ قُتِلُوا
كأنهُ شعلة ٌ في الكفَّ قائمة ٌ = تهفو بها الريحُ أحياناً ، وتعتدلُ
لولاَ الدماءُ التي يسقى بها نهلاً = لكادَ منْ شدة ِ اللألاءِ يشتعلُ
يَفُلُّ مَا بَقِيَتْ فِي الْكَفِّ قَبْضَتُهُ = كُلَّ الْحَدِيدِ وَلَمْ يَثْأَرْ بِهِ فَلَلُ
بَلْ رُبَّ سَارِيَة ٍ هَطْلاَءَ دَانِيَة ٍ = تَنْمُو السَّوَامُ بِهَا، وَالنَّبْتُ يَكْتَهِلُ
كأنَّ آثارها في كلَّ ناحية ٍ = ريطٌ منشرة ٌ في الأرض ، أو حللُ
يَمَّمْتُهَا بِرِفَاقٍ إِنْ دَعَوْتُ بِهِمْ = لبوا سراعا ، وَ إن أنزلْ بهمْ نزلوا
قصداً إلى الصيدِ ، لا نبغي بهِ بدلاً = وَ كلُّ نفسٍ لها في شأنها عملُ
حَتَّى إِذَا أَلْمَعَ الرُّوَّادُ مِنْ بَعَدٍ = وَ جاءَ فارطهمْ يعلو ويستفلُ
تغازتِ الخيلُ ، حتى كدنَ منْ مرحٍ = يذهبنَ في الأرضِ لولاَ اللجمُ وَ الشكلُ
فما مضتْ ساعة ٌ ، أوْ بعضُ ثانية ٍ = إِلاَّ وَلِلصَّيْدِ فِي سَاحَاتِنَا نُزُلُ
فكانَ يوماً قضينا فيهِ لذتنا = كما اشتهينا ؛ فلا غشٌّ ، وَ لاَ دغلُ
هذَا هُوَ الْعَيْشُ، لاَ لَغْوُ الْحَدِيثِ، وَلاَ = مَا يَسْتَغِيرُ بِهِ ذُو الإِفْكَة ِ النَّمِلُ
إنَّ النميمة َ وَ الأفواهُ تضرمها = نَارٌ مُحَرِّقَة ٌ لَيْسَتْ لَهَا شُعَلُ
فَاتْبَعْ هَوَاكَ، وَدَعْ مَا يُسْتَرَابُ بِهِ = فأكثرُ الناسِ - إنْ جربتهمْ - هملُ
وَاحْذَرْ عَدُوَّكَ تَسْلَمْ مِنْ خَدِيعَتِهِ = إنَّ العداوة َ جرحٌ ليسَ يندملُ
وَ عالجِ السرَّ بالكتمانِ تحمدهُ = فَرُبَّمَا كَانَ فِي إِفْشَائِهِ الزَّلَلُ
وَلاَ تَكُنْ مُسْرِفاً غِرّاً، وَلاَ بَخِلاً = فبئستِ الخلة ُ : الإسرافُ ، وَ البخلُ
وَ لا يهمنكَ بعضُ الأمرِ تسأمهُ = لا يَنْتَهِي الشُّغْلُ حَتَّى يَنْتَهِي الأَجَلُ
وَاعْرِفْ مَوَاضِعَ مَا تَأْتِيهِ مِنْ عَمَلٍ = فَلَيْسَ فِي كُلِّ حِينٍ يَحْسُنُ الْعَمَلُ
فالريثُ يحمدُ في بعض الأمورِ ، كما = في بعض حالاتهِ يستحسنُ العجلُ
هَذَا هُوَ الأَدَبُ الْمَأْثُورُ، فَارْضَ بِهِ = علماً لنفسكَ ؛ فالأخلاقُ تنتقلُ
منْ كلَّ بيتٍ إذا الإنشادُ سيرهُ = فليسَ يمنعهُ سهلٌ ، وَ لا جبلُ
لمْ تبنَ قافية ٌ فيهِ على َ خللٍ = كلا ، وَ لمْ تختلفْ في رصفها الجملُ
فلاَ سنادٌ ، ولا حشوٌ ، وَ لاَ قلقٌ = وَ لا سقوطٌ ، وَ لاَ سهوٌ ، وَ لا عللُ
تغايرتْ فيهِ أسماعٌ وَ أفئدة ٌ = فَكُلُّ نَادٍ «عُكَاظٌ» حِينَ يُرْتَجَلُ
لا تنكرُ الكاعبُ الحسناءُ منطقهُ = وَ لا يعادُ على قومٍ ، فيبتذلُ

binhlailبن هليــل
04-01-2009, 12:33 AM
صقـر عتيبـة...


الله يعطيك العافية


طرح موفق سعدت بقراءته



أشكرك على التواصل المستمر والحضور المميز


وبنتظار مزيدا من التألق


لك مني خالص


تحيتي

صقـر عتيبـة
09-01-2009, 03:11 AM
مشكووووور على الرد الجميل المميز والله لا يحرمنا من ردودك


تقبل تحياااااااااااااااااااااااااااااااااااتي



صقر عتيبة

حورية البحر
09-01-2009, 11:02 PM
راااااااااااائعه يعطيك العافيه


بنتظار جديدك تحياتي

صقـر عتيبـة
28-01-2009, 05:39 AM
حورية البحر


مشكوووووره على الرد الجميل المميز


تقبلي تحيااااااااااااااااااتي


صقر عتيبة

عبد الملك
28-01-2009, 10:43 PM
جزاك الله خيرا
وطرح مبارك .. ومزيدا من التقدم

المجروح
24-02-2009, 07:49 PM
شكراااااااااااا



الله يعطيك العافيه


لك جزيل الشكر