لماذا هذه المذاهب الأربعة؟
لماذا هذه المذاهب الأربعة؟
تأليف الشيخ علي آل محسن تمهيد: لقد اختلف أهل السنة إلى مذاهب كثيرة في الفروع والأصول، كمذهب سفيان بن عيينة بمكة، ومذهب مالك بن أنس بالمدينة، ومذهب أبي حنيفة وسفيان الثوري بالكوفة، ومذهب الأوزاعي بالشام، ومذهب الشافعي والليث بن سعد بمصر، ومذهب إسحاق بن راهويه بنيسابور، ومذهب أحمد بن حنبل وأبي ثور ببغداد... وغيرها. إلا أن أكثر تلك المذاهب انقرض بين الناس، وظلّت آراء أصحابها مدوَّنة في بطون الكتب عند أهل السنة، وبقيت من تلك المذاهب: الأربعة المعروفة، وهي مذهب أبي حنيفة النعمان، ومذهب مالك بن أنس، ومذهب محمد بن إدريس الشافعي، ومذهب أحمد بن حنبل. وهذه المذاهب صارت هي المذاهب التي عليها أهل السنة في كافة الأمصار منذ أن حُصر التقليد فيها إلى عصرنا الحاضر. وهنا نسأل: هل يجوز التعبّد بهذه المذاهب الأربعة، وهل تبرأ الذمة باتباع واحد منها أم لا؟ هذا ما سنكشف عنه النقاب في البحوث الآتية إن شاء الله تعالى: نشأة المذاهب الأربعة: كان الناس في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) يلجأون في معرفة أمور دينهم إليه (صلى الله عليه وآله) وإلى مَن جعلهم النبي (صلى الله عليه وآله) من قِبله كأمراء أو رُسُل إلى البلاد الأخرى، وبقي الحال على ذلك إلى أن قُبِض النبي (صلى الله عليه وآله). وأما بعد زمانه (صلى الله عليه وآله) فكان الناس يسألون الخلفاء خاصة والصحابة عامة لمَّا تفرَّقوا في سائر البلدان، لأنهم كانوا أقرب الناس إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأعرفهم بأحكام دينه. ولما جاء عصر التابعين وتابعي التابعين انقسم العلماء إلى قسمين: أهل الحديث، وأهل الفتوى. وكثر المفتون في المدينة ومكة والشام ومصر والكوفة وبغداد وغيرها من بلاد الإسلام، فكان العامة يسألون مَن يظهر لهم علمه ومعرفته، دون أن يتمذهبوا بقول واحد بعينه. إلا أن المهاترات التي وقعت بين أهل الحديث وأهل الفتوى وبالأخص أهل الرأي منهم من جهة، مضافاً إلى تقريب الخلفاء لبعض العلماء دون البعض الآخر من جهة أخرى، وَلَّد روح التعصّب عند الناس لبعض الفقهاء، والحرص على الالتزام بآرائه الفقهية وطرح آراء غيره. ولما ظهر أبو حنيفة كفقيه له آراؤه الفقهية، استطاع أن يستقطب له تلاميذ صار لهم الدور الكبير بعد ذلك في نشر تلك الآراء، ولا سيما القاضي أبو يوسف(1) الذي نال الحظوة عند الخلفاء العباسيين، فتولى منصب القضاء لثلاثة من الخلفاء: المهدي والهادي والرشيد، فنشر مذهب أبي حنيفة بواسطة القضاة الذين كان يعيّنهم هو وأصحابه. ولما بزغ نجم مالك بن أنس أراد أبو جعفر المنصور أن يحمل الناس على العمل بما في الموطأ، وأمر من ينادي في الناس: (ألا لا يُفتينَّ أحد ومالك بالمدينة). وحظي مالك بمكانة عظيمة عنده وعند مَن جاء بعده من أبنائه الخلفاء، كالمهدي والهادي والرشيد، فسبّب ذلك ظهور أتباع له يروّجون مذهبه، ويظهرون التعصب له. ثم تألَّق الشافعي وبرز على علماء عصره، وساعده على ذلك تتلمذه على مالك في المدينة، ونزوله ضيفاً لما ذهب إلى مصر عند محمد بن عبد الله بن الحكم الذي كانت له في مصر مكانة ومنزلة علمية، وكان مقدَّماً عند أهل مصر، فقام هذا الأخير بنشر علم الشافعي وبث كتبه، مضافاً إلى ما لقيه الشافعي في بادئ الأمر من المالكية في مصر من الإقبال والحفاوة، بسبب كثرة ثنائه على الإمام مالك، وتسميته بـ (الأستاذ). ولما وقع الإمام أحمد بن حنبل في محنة خلق القرآن، وضُرب وحُبس، مع ما أظهر من الصبر والتجلد، جعل له المكانة عند الناس، ولاسيما بعد أن أدناه المتوكل العباسي وأكرمه وعظَّمه، وعني به عناية فائقة. هكذا نشأت هذه المذاهب وانتشرت دون غيرها. ثم إن الأغراض السياسية والمآرب الدنيوية كانت وراء دعم الخلفاء لهذه المذاهب، فإن خلفاء بني العباس أرادوا أن يلفتوا الناس إلى علماء من أهل السنة، لتكون لهم المكانة السامية عند الناس، باعتبارهم أئمة في الدين، ليصرفوا الأنظار عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، الذين كانت نقطة التوتر بينهم هي الأولوية بالخلافة. ولهذا كان شعراء بني العباس يثيرون هذه المسألة في مناسبات كثيرة، يُعرِّضون فيها بأبناء علي وفاطمة (عليهم السلام)، ويحتجون بأن الخلافة ميراث النبي (صلى الله عليه وآله)، وعلي (عليه السلام) ابن عم النبي (صلى الله عليه وآله)، والعباس عمّه، وابن العم لا يرِث مع وجود العم. قال مروان: فعَقَد لي على البحرين واليمامة، وخلع لي أربع خلع، وخلع عليَّ المنتصر، وأمر لي المتوكل بثلاثة آلاف دينار، فنُثرت عليّ(2). قال ابن حزم في كتابه (الإحكام في أصول الأحكام): وليعلم مَن قرأ كتابنا أن هذه البدعة العظيمة ـ نعني التقليد ـ إنما حدثت في الناس وابتُدئ بها بعد الأربعين ومائة من تاريخ الهجرة، وبعد أزيد من مائة عام وثلاثين عاماً بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) وأنه لم يكن قط في الإسلام قبل الوقت الذي ذكرنا مسلم واحد فصاعداً على هذه البدعة، ولا وجد فيهم رجل يقلد عالماً بعينه، فيتبع أقواله في الفتوا، فيأخذ بها ولا يخالف شيئاً منها. ثم ابتدأت هذه البدعة من حين ذكرنا في العصر الرابع في القرن المذموم، ثم لم تزل تزيد حتى عمَّت بعد المائتين من الهجرة عموماً طبق الأرض، إلا من عصم الله عز وجل وتمسك بالأمر الأول الذي كان عليه الصحابة والتابعون وتابعو التابعين بلا خلاف من أحد منهم. نسأل الله تعالى أن يثبِّتنا عليه، وأن لا يعدل بنا عنه، وأن يتوب على من تورَّط في هذه الكبيرة من إخواننا المسلمين، وأن يفيء بهم إلى منهاج سلفهم الصالح(3). وسواء كانت هذه المذاهب سبقت هذا الزمان قليلاً أو كثيراً فهي على كل حال لم تكن في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) وإنما استُحدِثت بعد أكثر من قرن من وفاته (صلى الله عليه وآله). فرض المذاهب الأربعة مذاهب رسمية: بقي العمل بالمذاهب المتعدّدة عند أهل السنة، الأربعة وغيرها، إلى أن جعل الخلفاء المدارس وقصروا التدريس في هذه المذاهب، كما أن مناصب القضاء حُصرت أيضاً في القضاة الذين يقضون بفتاوى الأئمة الأربعة، واستمر الحال على ذلك إلى أن أمر السلطان الظاهر بيبرس الذي كان له النفوذ والسلطان على مصر والشام وغيرهما من بلاد الإسلام بجعل قضاة أربعة في مصر: لكل مذهب قاض خاص، وكان ذلك في سنة 663هـ، ثم جعل بعد ذلك بعام في بلاد الشام قضاة أربعة أيضاً، وعلى ذلك استمر الحال، فانحصرت المذاهب عند أهل السنة في هذه الأربعة منذ ذلك الوقت إلى زماننا الحاضر. قال المقريزي: فلما كانت سلطنة الظاهر بيبرس البندقداري ولَّى بمصر أربعة قضاة، وهم شافعي ومالكي وحنفي وحنبلي، فاستمر ذلك من سنة 665هـ، حتى لم يبق في مجموع أمصار الإسلام مذهب يُعرف من مذاهب الإسلام سوى هذه المذاهب الأربعة، وعملت لأهلها مدارس والخوانك والزوايا والربط في سائر ممالك الإسلام، وعُودي مَن تمذهب بغيرها، وأُنكر عليه، ولم يولَّ قاضٍ ولا قُبِلت شهادة أحد، ولا قُدِّم للخطابة والإمامة من لم يكن مقلِّداً لأحد هذه المذاهب، وأفتى فقهاء الأمصار في طول هذه المدة بوجوب اتّباع هذه المذاهب وتحريم ما عداها(4). قال ابن كثير في البداية والنهاية: ثم دخلت سنة أربع وستين وستمائة، استهلَّت والخليفة: الحاكم العباسي، والسلطان: الملك الظاهر، وقضاة مصر أربعة، فيها جعل بدمشق أربعة قضاة من كل مذهب قاض كما فعل بمصر عام أول... وقد كان هذا الصنيع الذي لم يسبق إلى مثله قد فعل في العام الأول بمصر كما تقدم، واستقرت الأحوال على هذا المنوال(5). وذكر ذلك أيضاً: الذهبي في كتابه (العبر) في حوادث سنة 663هـ. وابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب، وتغري بردي في النجوم الزاهرة وغيرهم(6). وقال السيد سابق: وبالتقليد والتعصب للمذاهب فقدت الأمة الهداية بالكتاب والسنة، وحدث القول بانسداد باب الاجتهاد، وصارت الشريعة هي أقوال الفقهاء، وأقوال الفقهاء هي الشريعة، واعتُبر كل من يخرج عن أقوال الفقهاء مبتدعاً لا يوثق بأقواله، ولا يُعتد بفتاواه. وكان مما ساعد على انتشار هذه الروح الرجعية ما قام به الحكام والأغنياء من إنشاء المدارس، وقصر التدريس فيها على مذهب أو مذاهب معينة، فكان ذلك من أسباب الإقبال على تلك المذاهب، والانصراف عن الاجتهاد، محافظة على الأرزاق التي رُتّبت لهم!! سأل أبو زرعة شيخه البلقيني قائلاً: ما تقصير الشيخ تقي الدين السبكي عن الاجتهاد وقد استكمل آلته؟ فسكت البلقيني. فقال أبو زرعة: فما عندي أن الامتناع عن ذلك إلا للوظائف التي قُدّرت للفقهاء على المذاهب الأربعة، وإن خرج عن ذلك لم ينله شيء، وحُرم ولاية القضاء، وامتنع الناس عن إفتائه، ونُسبَتْ إليه البدعة. فابتسم البلقيني ووافقه على ذلك(7). أصحاب المذاهب الأربعة: 1 ـ أبو حنيفة النعمان: هو النعمان بن ثابت بن زوطي، مولى بني تيم الله بن ثعلبة، أصله من كابل، وُلد بالكوفة سنة 80هـ ونشأ فيها، رأى أنس بن مالك، وكان يبيع الخز ويطلب العلم في صباه، ثم انقطع للتدريس والإفتاء، وهو إمام أهل الرأي. روى له الترمذي والنسائي في سُنَنهما، من أشهر تلاميذه القاضي أبو يوسف، ومحمد بن حسن الشيباني، له كتاب (المسند) في الحديث، جمعه تلاميذه، و (المخارج) كتيب صغير في الفقه، رواه عنه تلميذه أبو يوسف. ضربه أمير العراقيين عمر بن هبيرة ليتولّى قضاء الكوفة فامتنع، وأراده أبو جعفر المنصور بعد ذلك للقضاء ببغداد، فامتنع أيضاً، فحبسه إلى أن مات ببغداد سنة 150هـ، وله مزار معروف بالقرب من بغداد في محلّة تعرف بالأعظمية نسبة إليه، وقد بنى ذلك على قبره محمد بن منصور الخوارزمي مستوفي مملكة السلطان ملك شاه السلجوقي سنة 459هـ(8). 2 ـ مالك بن أنس: هو مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث الأصبحي الحميري، أبو عبد الله المدني. ولد سنة 93هـ ، وقيل غيرها، وقيل: حملت به أمّه سنتين، وقيل: ثلاث سنين، لُقِّب بإمام دار الهجرة. روى عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) ونافع وابن المنكدر وغيرهم، وروى عنه الإمام الشافعي والسفيانيان والأوزاعي وغيرهم. له كتاب الموطأ في الحديث. قال الشافعي: ما في الأرض كتاب أكثر صواباً من موطأ مالك، وقال البخاري: أصح الأسانيد: مالك عن نافع عن ابن عمر. مات بالمدينة سنة 179هـ وعمره تسعون سنة، وقيل: خمس وثمانون، ودُفن بالبقيع(9). 3 ـ محمد بن إدريس الشافعي: هو أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب القرشي المطلبي المكي. وُلد في غزة بفلسطين سنة 150هـ، وقيل: باليمن، مات أبوه وهو صغير وحملته أمّه إلى مكة وهو ابن سنتين. فنشأ بمكة، ثم انتقل إلى المدينة وقرأ الموطأ على مالك. روى عن ابن عيينة ومالك وغيرهم، وروى عنه أحمد بن حنبل وأبو ثور والمزني وغيرهم. اعتبره بعضهم هو المجدد على رأس المائتين، له كتاب (الأم) وفيه آراؤه الفقهية الجديدة، وكتاب (المسند) في الحديث، و(أحكام القرآن) وغيرها، وله شعر جيد، ومنه: ما حَكَّ جلدَك مثلُ ظفركْ فتولَّ أنت جميعَ أمـرِك وإذا بُليتَ بحاجـــــــــــةٍ فاقصد لمعترِفٍ بفضلكْ وله أشعار جيدة في حب أهل البيت (عليه السلام)، زار بغداد سنة 195هـ فاجتمع به أحمد بن حنبل وأبو ثور وغيرهما، وأقام بها حولين وصنف بها كتابه القديم، ثم عاد إلى مكة، ثم رجع إلى بغداد سنة 198هـ، ومكث فيها شهراً، ثم قصد مصر سنة 199هـ، وصنف بها كتبه الجديدة كالأم، والأمالي الكبرى، ومختصر البويطي، ومختصر المزني، ومات فيها سنة 204هـ وعمره 54 سنة، وقبره معروف بالقرب من المقطم(10). يتبع |
يتبع المذاهب الاربعة
4 ـ أحمد بن حنبل:
هو أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني المروزي البغدادي، صاحب المسند. خرجت به أمه من مرو حملاً، ووُلد في بغداد سنة 164هـ، ونشأ بها، وتوفي أبوه وهو ابن ثلاث سنين، طلب الحديث سنة 179هـ، وقيل: 187هـ، وطاف بالبلاد، ودخل الكوفة والبصرة والحجاز واليمن والشام والجزيرة، سمع من هشيم عن الشافعي وسفيان بن عيينة وغيرهم، وروى عنه البخاري ومسلم وأبو داود وغيرهم، وروى عنه الترمذي والنسائي وابن ماجة بواسطة رجل واحد. دُعي إلى القول بخلق القرآن في زمن المأمون العباسي سنة 218هـ، ثم في زمن المعتصم، فأبى وامتنع، فحُبس نحواً من ثمانية وعشرين شهراً، أو 28 يوماً على اختلاف النقل، وضُرب، فثبت على قوله، فأطلقه المعتصم سنة 221هـ، وبقي مدة في منزله، وفي سنة 237هـ استقدمه المتوكل العباسي إليه وأكرمه وقرّبه. مات ببغداد سنة 241هـ، وعمره سبع وسبعون سنة(11). أقوالهم في عدم جواز التقليد في الدين: لقد تطابقت كلمات أعلام أهل السنة على عدم جواز تقليد الرجال في الدين، وقد ذكر ابن القيم في كتابه أعلام الموقعين ثمانين دليلاً على عدم جواز التقليد في أحكام الله، وعدم جواز الالتزام باتباع واحد من أصحاب المذاهب وغيرهم. وإليك بعض كلماتهم: قال ابن حزم: التقليد حرام، ولا يحل لأحد أن يأخذ قول أحد غير رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) بلا برهان، لقوله تعالى (اتّبعوا ما أُنزل إليكم من ربكم ولا تتّبعوا من دونه أولياء) (12). وقال: ويكفي في إبطال التقليد أن القائلين به مقِرّون على أنفسهم بالباطل، لأن كل طائفة من الحنفية والمالكية والشافعية مقرّة بأن التقليد لا يحل، وأئمتهم الثلاثة قد نهوا عن تقليدهم، ثم مع ذلك خالفوهم وقلّدوهم، وهذا عجب ما مثله عجب، حيث أقرّوا ببطلان التقليد، ثم دانوا الله بالتقليد(13). وقال ابن القيم في أعلام الموقعين: إن العالِم قد يَزِلّ ولا بد، إذ ليس بمعصوم، فلا يجوز قبول كل ما يقوله، ويُنَزَّل منزلة قول المعصوم، فهذا الذي ذمَّه كلُّ عالِم على وجه الأرض، وحرّموه وذمّوا أهله، وهو أصل بلاء المقلِّدين وفتنتهم، فإنهم يقلِّدون العالِم فيما زلَّ وفيما لم يزِلّ فيه، وليس لهم تمييز بين ذلك، فيأخذون الدين بالخطأ ولا بد، فيُحِلُّون ما حرَّم الله، ويُحرِّمون ما أحلَّ الله، ويشرِّعون ما لم يشرِّع، ولا بد لهم من ذلك إذا كانت العصمة منتفية عمن قلَّدوه، فالخطأ واقع منه ولا بد(14). وقال المعصومي: لمَّا غيَّر المسلمون أوامر رب العالمين، جازاهم الله تعالى بتغيير النعمة عليهم، وسلب عنهم الدولة، وأزال عنهم الخلافة، كما تشهد به آيات كثيرة. فمِن جملة ما غيَّروا: التمذهب بالمذاهب الخاصة، والتعصّب لها ولو بالباطل، وهذا (بدعة) لا شك فيه ولا شبهة، وكل بدعة تُعتَقد دِيناً وثواباً فهي ضلالة(15). وقال ابن حزم أيضاً: فليعلم مَن أخذ بجميع أقوال أبي حنيفة أو جميع أقوال مالك، أو جميع أقوال الشافعي، أو جميع أقوال أحمد (رضي الله عنهم)، ولم يترك من اتبع منهم أو من غيرهم إلى قول غيره، ولم يعتمد على ما جاء في القرآن والسنة، غير صارف لذلك إلى قول إنسان بعينه، أنه خالف إجماع الأمة كلها، أولها عن آخرها بيقين لا إشكال فيه، وأنه لا يجد لنفسه سلفاً ولا إنساناً في جميع الأعصار المحمودة الثلاثة، نعوذ بالله من هذه المنزلة(16). إلى غير ذلك مما يطول ذكره، وفيما ذكرناه كفاية. نهي الأئمة الأربعة عن تقليدهم: إن أئمة المذاهب الأربعة نهوا الناس عن تقليدهم واتّباعهم، وقد نُقل ذلك عنهم، وهو محفوظ من أقوالهم وكلماتهم: قال ابن القيم في أعلام الموقعين: وقد نهى الأئمة الأربعة عن تقليدهم، وذمّوا مَن أخذ أقوالهم بغير حُجّة(17). وقال ابن حزم: وقد ذكرنا أن مالكاً وأبا حنيفة والشافعي لم يُقلِّدوا، ولا أجازوا لأحد أن يقلِّدهم، ولا أن يقلِّد غيرهم(18). وقال أبو حنيفة: لا يحل لأحد أن يقول بقولنا حتى يعلم من أين قلناه(19). وقال: لا يحل لمن يفتي من كتبي أن يفتي حتى يعلم من أين قلت(20). وروى ابن حزم بسنده عن المازني، عن الشافعي أنه نهى الناس عن تقليده وتقليد غيره(21). ونقل السيوطي عن الإمام أبي شامة أنه قال: نهى إمامنا الشافعي عن تقليده وتقليد غيره(22). وذكر المزني صاحب الشافعي ذلك في مقدمة مختصره(23). وقال أحمد بن حنبل: لا تقلدني ولا تقلد مالكاً ولا الثوري ولا الأوزاعي، خذ من حيث أخذوا. وقال: من قلة فقه الرجل أن يقلد في دينه الرجال. وقال: لا تقلّد دينك أحداً(24). قال ابن القيم: ولأجل هذا لم يؤلف الإمام أحمد كتاباً في الفقه، وإنما دوّن أصحابه مذهبه من أقواله وأفعاله وأجوبته وغير ذلك. ثم إن كل واحد من الأئمة الأربعة نهى أن يؤخذ بقوله إذا كان مخالفاً لما هو مروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله). فالمعتمد هو قول النبي (صلى الله عليه وآله) لا أقوالهم: قال أبو حنيفة: إذا جاء عن النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) فعلى العين والرأس، وإذا جاء عن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) نختار من قولهم، وإذا جاء عن التابعين زاحمناهم...(25) وقال الشافعي: كل ما قلت وكان عن النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) خلاف قولي مما يصح، فحديث النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) أولى، فلا تقلدوني(26). وقال مالك بن أنس: إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي، فكل ما وافق الكتاب والسنّة فخذوا به، وما لم يوافق الكتاب والسنّة فاتركوه(27). وبعد هذا كله هل يجوز لمؤمن أن يتَّبع إماماً نهى عن تقليده واتّباعه، وأمر الناس بعرض أقواله على كتاب الله وسُنة نبيّه (صلى الله عليه وآله)، وأمر بطرح كل ما خالفهما، وعلى ذلك يكون كل مَن لم يفعل ذلك فهو مخالفاً لهم وهو يزعم أنه يتّبعهم، ولعلهم يتبرّؤون من كل أولئك الذين اتبعوهم يوم العرض على الله. (إذ تبرَّأ الذين اتُّبِعُوا من الذين اتَّبَعُوا وَرَأَوْا العذاب وتقطعت بهم الأسباب * وقال الذين اتَّبَعُوا لو أن لنا كرَّة فَنَتَبَرَّأَ منهم كما تبرّأوا منا كذلك يُريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار)[سورة البقرة: الآية 166 ـ 167]. قال ابن حزم: هكذا والله يقول هؤلاء الفضلاء الذين قلَّدهم أقوام قد نهوهم عن تقليدهم، فإنهم رحمهم الله قد تبرأوا في الدنيا والآخرة من كل من قلَّدهم، وفاز أولئك الأفاضل الأخيار، وهلك المقلِّدون لهم، بعدما سمعوا من الوعيد الشديد، والنهي عن التقليد(28). وقال : ووالله لو أن هؤلاء [الأئمة] وَرَدُوا عرصة القيامة بملء السماوات والأرض حسنات، ما رحموه ـ يعني مَن قلَّدهم ـ بواحدة، ولو أنه المغرور وَرَدَ ذلك الموقف بملء السماوات والأرض سيئات، ما حطُّوا منها واحدة، ولا عرَّجوا عليه، ولا التفتوا إليه، ولا نفعوه بنافعة(29). أحاديث ضعيفة وأحلام سخيفة: لقد رووا عن النبي (صلى الله عليه وآله) روايات في فضل بعض هؤلاء الأئمة، وهي إما ضعيفة من جهة السند، أو ضعيفة من ناحية الدلالة. وإليك بعضاً منها: 1 ـ ما رووه في فضل أبي حنيفة: عن النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) قال: يكون في أمتي رجل اسمه النعمان، وكنيته أبو حنيفة، هو سراج أمتي، هو سراج أمتي، هو سراج أمتي(30). وهذا الحديث موضوع. قال الخطيب: وهو حديث موضوع تفرد بروايته البورقي، وقد شرحنا فيما تقدم أمره وبينّا حاله(31). وذكره السيوطي في الموضوعات، ونقل تضعيفه عن الخطيب والحاكم(32). وقال الشوكاني: هو موضوع، وفي إسناده وضَّاعان: مأمون بن أحمد السلمي، وأحمد بن عبد الله الجويباري(33). ومنها: عن أنس مرفوعاً قال: سيأتي من بعدي رجل يقال له: النعمان ابن ثابت، ويكنى أبا حنيفة، ليُحيِيَنّ دين الله وسُنّتي على يده. قال الخطيب: باطل موضوع، محمد بن يزيد متروك الحديث، وسليمان وشيخه مجهولان، وأبان يُرمى بالكذب(34). وعن أنس أيضاً مرفوعاً: يكون في أمتي رجل يقال له النعمان، يُكنّى أبا حنيفة، يجدِّد الله له سُنّتي على يديه(35). قال السيوطي: موضوع، آفته الجويباري(36). وقال الملا علي القاري في ضمن تعداده للموضوعات في أحاديث المناقب: ومن ذلك ما وضعه الكذَّابون في مناقب أبي حنيفة والشافعي على التنصيص على اسميهما(37). 2 ـ ما رووه في فضل مالك: عن النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) قال: يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل فلا يجدون أحداً أعلم من عالم المدينة(38). قالوا: المراد به مالك بن أنس. وهذا الحديث وإن حسَّنه الترمذي، إلا أنه لا دلالة فيه على أن عالم المدينة هو مالك بن أنس، لأن المدينة ضمَّت رجالاً أفذاذاً قبل أحمد وفي زمانه وبعده، وحسبك أن منهم: علي بن الحسين زين العابدين، وابنه الإمام محمد ابن علي الباقر، وابنه الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليهم السلام)، وغيرهم من العلماء البارزين، ومالك لم يسبق هؤلاء ولا غيرهم في نسب ولا فضل ولا علم ولا غير ذلك، بل نصَّ بعضهم على أن غيره أفضل منه(39)، فكيف يتعيَّن أن يكون هو عالم المدينة. ثم إن الظاهر من الحديث هو الدلالة إلى علماء المدينة، وأن العلماء في غيرها من البلدان لا يقاسون بهم، لا أن المراد به الدلالة على عالم مخصوص، حتى يقع الكلام في أنه مالك بن أنس أو غيره. ولهذا قال: (فلا يجدون أحداً أعلم من عالم المدينة)، أي من جنس العالم الذي بالمدينة، ولم يقُل: فلا يجدون أحداً أعلم من عالمٍ بالمدينة. حتى يكون المراد به عالماً مخصوصاً. ولو سلَّمنا أن المراد به عالم مخصوص فلم يحصل اتفاقهم على أنه مالك بن أنس، فإن الترمذي في السُّنَن ذكر في رواية عن سفيان بن عيينة أنه قال: إنه مالك، وفي رواية أخرى قال: إنه العُمَري(40). وقال أحمد في المسند: وقال قوم: هو العمري، قال: فَقَدَّموا مالكاً(41). وذكر الخطيب أن أبا موسى سأل سفيان: أكان ابن جُرَيْج يقول: نرى أنه مالك بن أنس؟ فقال: إنما العالم من يخشى الله، ولا نعلم أحداً كان أخشى لله من العمري(42). يتبع |
يتبع المذاهب الاربعة
3 ـ ما رووه في فضل الشافعي:
عن النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) قال: عالم قريش يملأ طباق الأرض علماً. يعني الشافعي. أورده الشوكاني في الموضوعات، وقال: هو موضوع. قاله الصغاني(43). ومع ضعف الحديث فإنه لا يدل على خصوص الشافعي، وما قلناه في (عالم المدينة) يأتي هنا أيضاً، فإن عالم قريش لا يدل على رجل مخصوص، وأئمة العترة النبوية الطاهرة (عليهم السلام) كلهم من قريش، وهم أفقه من الشافعي وغيره، وهذا لا نحتاج فيه إلى مزيد بيان. وأما الأحلام التي أيَّدوا بها مذاهبهم فهي كثيرة، ولا يحسن بنا إضاعة الوقت بذكرها، لأن الأحلام ليست حُجة في بيع حزمة بقل فما دونها، فكيف تكون حجة في إمامة الدين والعلم، وهو واضح لا يحتاج إلى إطالة الكلام فيه. ولكن لا بأس أن نذكر بعضاً منها للدلالة على مبلغ سخافتها: 1 ـ أبو حنيفة: ذكر ابن عبد البر في كتاب الانتقاء وغيره أن أبا حنيفة قال: رأيت في المنام كأني نبشتُ قبر النبي (عليه السلام)، فأخرجت عظامه فاحتضنتها، قال: فهالتني هذه الرؤيا، فرحلت إلى ابن سيرين، فقصصتها عليه، فقال: إن صدقت رؤياك لتُحيِيَنَّ سُنّة نبيِّك محمد (صلى الله عليه [وآله] وسلم). وذكرها بعينها أيضاً عن رجل رأى هذه الرؤيا في أبي حنيفة. وعن أبي رجاء وكان من العبادة والصلاح بمكان، قال: رأيت محمد بن الحسن في المنام، فقلت: ما صنع الله بك؟ قال: غفر لي. قلت: وأبو يوسف؟ قال: هو أعلى درجة مني. قلت: فما صنع أبو حنيفة؟ قال: هيهات، هو في أعلى عليين(44). 2 ـ مالك بن أنس: ذكر أبو نعيم في الحلية عن إسماعيل بن مزاحم المروزي أنه قال: رأيت النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) في المنام، فقلت: يا رسول الله مَن نسأل بعدك؟ قال: مالك بن أنس. وعن محمد بن رمح التجيبي أنه قال: رأيت النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) فيما يرى النائم، فقلت: يا رسول الله قد اختلف علينا في مالك والليث، فأيهما أعلم؟ قال: مالك ورث حدي، معناه أي علمي. وعن عبد الله مولى الليثيين وكان مختاراً قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) في المسجد قاعداً والناس حوله، ومالك قائم بين يديه، وبين يدي رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) مسك، وهو يأخذ منه قبضة قبضة فيدفعها إلى مالك، ومالك ينشرها على الناس. قال مطرف: فأُوّلت ذلك العلم واتباع السنّة(45). 3 ـ الشافعي: ذكر الخطيب عن المزي أنه قال: رأيت النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) في المنام، فسألته عن الشافعي، فقال لي: من أراد محبّتي وسُنّتي فعليه بمحمد بن إدريس الشافعي المطلبي، فإنه مني وأنا منه. وعن أحمد بن حسن الترمذي قال: كنت في الروضة فأغفيت، فإذا النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) قد أقبل، فقمت إليه فقلت: يا رسول الله قد كثر الاختلاف في الدين، فما تقول في رأي أبي حنيفة؟ فقال: أف. ونفض يده، قلت: فما تقول في رأي مالك؟ فرفع يده وطأطأ وقال: أصاب وأخطأ. قلت: فما تقول في رأي الشافعي؟ فقال: بأبي ابن عمّي، أحيى سُنّتي(46). 4 ـ أحمد بن حنبل: ذكر الخطيب في تاريخ بغداد عن أبي الفرج الهندبائي قال: كنت أزوز قبر أحمد بن حنبل، فتركته مدة، فرأيت في المنام قائلاً يقول: لمَ تركتَ زيارة قبر إمام السُّنّة؟(47) أقول: لا أدري لِمَ قطع هذا الرجل بأن رؤياه ليست من أضغاث الأحلام؟ وهلاّ حثّه هذا القائل على زيارة الحسين (عليه السلام) ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ ولاسيما أن المسافة بين قبر أحمد في بغداد وقبر الحسين (عليه السلام) في كربلاء ليست كثيرة. اللهم إلا إذا كان أحمد ـ بنظر ذلك القائل كما هو الظاهرـ خيراً من سيد شباب أهل الجنة (عليه السلام)، وزيارته أفضل وأكثر ثواباً. وعن يحيى بن أيوب المقدسي، قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) في النوم وهو نائم، وعليه ثوب مغطّى به، وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين يذبّان عنه(48). ما ذكروه في ذم الأئمة الأربعة: ما قيل في ذم الأئمة الأربعة كثير، ولا يسعنا حصره، وما سندرجه في هذه الفقرة لم نتقوّله عليهم، بل هو مذكور في كتب علماء أهل السنة، وصادر من علمائهم، وقد ذكرنا مصادره في الحواشي لتوثيق النقل عنهم. وليس غرضنا من نقله الإزراء بهم أو الطعن فيهم، فإن أئمة المذاهب وفدوا على ربّهم، والله أعلم بحالهم، ولكن الغاية هي أن يعلم القارئ الكريم أن هؤلاء رجال غير معصومين، وقد قيل فيهم ما قيل إن صدقاً وإن كذباً، ونحن نذكره لكي يتحقق الفرد المسلم في اختيار الأئمة في الدين، وليعلم أن الواجب عليه هو اتباع مَن أُمر باتباعهم، وهم أهل البيت (عليهم السلام) دون غيرهم، والله أعلم بحقائق الأمور. وإليك بعض ما قالوه فيهم: 1 ـ ما قالوه في أبي حنيفة: قال البخاري: كان مرجئاً، سكتوا عن رأيه وعن حديثه(49). وروى البخاري في تاريخه الصغير أن سفيان لَمَّا نُعي أبو حنيفة قال: الحمد لله، كان ينقض الإسلام عروة، ما وُلد في الإسلام أشأم منه(50). وقال ابن عبد البر في كتاب الانتقاء: ممن طعن عليه وجرحه أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، فقال في كتابه في الضعفاء والمتروكين: أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، قال نعيم بن حماد: إن يحيى بن سعيد ومعاذ بن معاذ، سمعا سفيان الثوري يقول: قيل: استُتيب أبو حنيفة من الكفر مرتين(51). وقال نعيم عن الفزاري: كنت عند سفيان بن عيينة، فجاء نعي أبي حنيفة، فقال: لعنه الله، كان يهدم الإسلام عروةً عروة، ما وُلد في الإسلام مولود أشر منه. هذا ما ذكره البخاري(52). وقال: قال ابن الجارود في كتابه في الضعفاء والمتروكين: النعمان بن ثابت جُل حديثه وهم، وقد اختُلف في إسلامه. وقال: وقد روي عن مالك رحمه الله أنه قال في أبي حنيفة نحو ما ذكر سفيان أنه شر مولود وُلد في الإسلام، وأنه لو خرج على هذه الأمة بالسيف كان أهون(53). قلت: ورواه الخطيب البغدادي أيضاً عن الأوزاعي وحماد(54) ومالك(55). وقال الذهبي: ضعَّفه النسائي من جهة حفظه، وابن عدي وآخرون(56)، وترجم له الخطيب في فصلين من تاريخه، واستوفى كلام الفريقين: معدِّليه ومضعِّفيه(57). وروى ابن أبي حاتم عن ابن المبارك أنه قال: كان أبو حنيفة مسكيناً في الحديث. وعن أحمد بن حنبل أن أبا حنيفة ذُكِر عنده فقال: رأيه مذموم، وبدنه لا يذكر. وعن محمد بن جابر اليمامي أنه قال: سرَق أبو حنيفة كتب حماد مني(58). وذكر ابن سعد في الطبقات عن محمد بن عمر، قال: كان ضعيفاً في الحديث(59). وذكر أبو نعيم في حلية الأولياء، والخطيب في تاريخه أن مالك بن أنس ذَكَرَ أبا حنيفة، فقال: كاد الدين، ومَن كاد الدين فليس مِن أهله. وعن الوليد بن مسلم قال: قال لي مالك: يُذْكَر أبو حنيفة ببلدكم؟ قلت: نعم. قال: ما ينبغي لبلدكم أن تُسكَن(60). وقال سفيان بن عيينة: ما زال أمر الناس معتدلاً حتى غيَّر ذلك أبو حنيفة بالكوفة، والبتي بالبصرة، وربيعة بالمدينة(61). وقال أحمد بن حنبل: ما قول أبي حنيفة والبعر عندي إلا سواء(62). وقال الشافعي: نظرت في كتاب لأبي حنيفة فيه عشرون ومائة، أو ثلاثون ومائة ورقة، فوجدت فيه ثمانين ورقة في الوضوء والصلاة، ووجدت فيه إما خلافاً لكتاب الله، أو لسنة رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم)، أو اختلاف قول، أو تناقض، أو خلاف قياس(63). وروى الخطيب عن أبي بكر بن أبي داود أنه قال لأصحابه: ما تقولون في مسألة اتفق عليها مالك وأصحابه، والشافعي وأصحابه، والأوزاعي وأصحابه، والحسن بن صالح وأصحابه، وسفيان الثوري وأصحابه، وأحمد بن حنبل وأصحابه؟ فقالوا: يا أبا بكر، لا تكون مسألة أصح من هذه. فقال: هؤلاء كلهم اتفقوا على تضليل أبي حنيفة(64). وبالجملة، فما قالوه في الطعن في أبي حنيفة كثير جداً، ولا يسعنا استقصاؤه، وقد أعرضنا عن أمور عظيمة ذكروها فيه، ومن شاء الاستزادة فليرجع إلى تاريخ بغداد، والانتقاء، وجامع بيان العلم وفضله وغيرها(65). يتبع |
يتبع المذاهب الاربعة
2 ـ ما قالوه في مالك:
ذكر الذهبي في تذكرة الحفاظ أن مالكاً لم يشهد الجماعة خمساً وعشرين سنة. وذكر عن ابن سعد أن مالكاً كان يأتي المسجد ليشهد الصلوات والجنائز، ويعود المرضى، ويقضي الحقوق، ويجلس في المسجد، ثم ترك الجلوس فيه، فكان يصلي وينصرف، وترك شهود الجنائز، فكان يأتي أصحابه فيعزّيهم، ثم ترك ذلك كله والصلاة في المسجد والجمعة(66). وذُكر أنه بكى في مرض موته، وقال: والله لوددت أني ضُرِبتُ في كل مسألة أفتيت بها، وليتني لم أُفتِ بالرأي(67). وذكر الذهبي عن الهيثم بن جميل قال: سمعت مالكاً سُئل عن ثمان وأربعين مسألة، فأجاب عن اثنتين وثلاثين منها بـ (لا أدري). وعن خالد بن خداش، قال: قدمتُ على مالك بأربعين مسألة، فما أجابني منها إلا على خمس مسائل(68). وروى الخطيب عن أحمد بن حنبل أنه سُئل عن مالك، فقال: حديث صحيح، ورأي ضعيف(69). وعن مالك أيضاً أنه ربما كان يُسأل خمسين مسألة، فلا يجيب في واحدة منها(70). ونقل ابن عبد البر عن الليث بن سعد أنه قال: أحصيت على مالك بن أنس سبعين مسألة كلها مخالفة لسُنة رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) مما قال فيها برأيه، قال: ولقد كتبت إليه أعظه في ذلك(71). وعن المروزي قال: وكذلك كان كلام مالك في محمد بن إسحاق لشيء بلَغَه عنه تكلّم به في نَسَبه وعِلْمه(72). وعن سلمة بن سليمان قال: قلت لابن المبارك: وضعتَ من رأي أبي حنيفة، ولم تضع من رأي مالك؟ قال: لم أره علماً(73). وقال ابن عبد البر: وقد تكلم ابن أبي ذئب في مالك بن أنس بكلام فيه جفاء وخشونة، كرهتُ ذِكره، وهو مشهور عنه، قاله إنكاراً لقول مالك في حديث البيِّعين بالخيار...(74)، وتكلم في مالك أيضاً فيما ذكره الساجي في كتاب العلل: عبد العزيز بن أبي سلمة، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وابن إسحاق، وابن أبي يحيى، وابن أبي الزناد، وعابوا عليه أشياء من مذهبه، وتكلم فيه غيرهم لتركه الرواية عن سعد بن إبراهيم، وروايته عن داود بن الحصين وثور بن زيد، وتحامل عليه الشافعي وبعض أصحاب أبي حنيفة في شيء من رأيه حسَداً لموضع إمامته، وعابَهُ قوم في إنكاره المسح على الخفَّين في الحضر والسفر، وفي كلامه في علي وعثمان، وفتياه إتيان النساء من الأعجاز، وفي قعوده عن مشاهدة الجماعة في مسجد رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم)، ونسبوه بذلك إلى ما لا يحسن ذِكره(75). قال ابن حجر: ويقال إن سعداً(76) وعظ مالكاً فوجد عليه، فلم يروِ عنه... وقال أحمد بن البرقي: سألت يحيى عن قول بعض الناس في سعد أنه كان يرى القدر وترك مالك الرواية عنه. فقال: لم يكن يرى القدر، وإنما ترك مالك الرواية عنه لأنه تكلم في نسب مالك، فكان مالك لا يروي عنه، وهو ثَبْت لا شك فيه(77). 3 ـ ما قالوه في الشافعي: قيل ليحيى بن معين: والشافعي كان يكذب؟ قال: ما أحب حديثه ولا ذِكْره(78). واشتهر عن يحيى أنه كان يقول عن الشافعي: إنه ليس بثقة(79). وأخرج ابن حجر في توالي التأسيس عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أنه قال: كان الشافعي قد مرض من هذا الباسور مرضاً شديداً، حتى ساء خُلُقه، فسمعته يقول: إني لآتي الخطأ وأنا أعرفه(80). وذكر ابن حجر في لسان الميزان عن معمر بن شبيب أنه سمع المأمون يقول: امتحنت الشافعي في كل شيء فوجدته كاملاً، وقد بقيت خصلة، وهو أن أسقيه من الهندبا تغلب على الرجل الجسيد العقل. فحدّثني ثابت الخادم أنه استدعى به فأعطاه رطلاً فقال: يا أمير المؤمنين ما شربته قط. فعزم عليه فشربه، ثم والى عليه عشرين رطلاً فما تغير عقله، ولا زال عن حُجّة(81). قلت: لعل الشافعي شربه تقية، لأنه كان يرى التقية من الخلفاء. 4 ـ ما قالوه في أحمد بن حنبل: قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعتُ أبي يقول: وددتُ أني نجوت من هذا الأمر، لا عليَّ ولا لي(82). وعن أبي بكر الأثرم، قال: سمعت أحمد بن حنبل يُستفتَى، فيكثر أن يقول: لا أدري(83). وقال الفخر الرازي: إنه ـ يعني الإمام أحمد ـ ما كان في علم المناظرة والمجادلة قوياً، وهو الذي قال: لولا الشافعي لبقيت أقفيتنا كالكرة في أيدي أصحاب الري(84). وقال ابن أبي خيثمة: قيل لابن معين: إن أحمد يقول: إن علي بن عاصم ليس بكذاب. فقال: لا والله، ما كان علي عنده قط ثقة، ولا حدَّث عنه بشيء، فكيف صار اليوم عنده ثقة؟(85) وقال الحسين بن علي الكرابيسي في الطعن في أحمد: أيش نعمل بهذا الصبي؟ إن قلنا: (مخلوق) قال: بدعة. وإن قلنا: (غير مخلوق) قال: بدعة(86). ولعل أحمد بن حنبل هو الذي سَلِم تقريباً من أن توجَّه إليه السهام والطعون كما وُجِّهت لغيره، وذلك لأنه جعل جُل عنايته في جمع الأحاديث، فصنّف المسند الذي اشتمل على أكثر من خمسة وعشرين ألف حديث، ثم إنه حاول أن يفر من الفتوى(87)، ولم تُعرف له فتاوى شاذة كثيرة كما عُرفت لغيره، ثم إن محنة خلق القرآن أكسبته مكانة عظيمة عند الناس، وفتواه بوجوب طاعة السلطان وحرمة الخروج عليه وإن كان جائراً، أعطته منزلة كبيرة عند الخلفاء والسلاطين. تعصب أهل السنة لمذاهبهم: إن المتتبِّع لما كتبه أهل السنة ـ علماؤهم وغيرهم ـ يجد أن التعصب للمذاهب كان قوياً جداً، ولم يسلم منه حتى مَن كان يُتوقَّع منه التنزّه عنه لجلالته وعلمه، والأمثلة على ذلك كثيرة جداً، ويمكن أن نقول: إن التعصب قد وقع على أنحاء مختلفة: منه: ما نتج عنه رَد الأحاديث والآثار النبوية، والعمل بفتوى إمام المذهب، وإن كان فيها مخالفة صريحة للنص الثابت. وقال الفخر الرازي في تفسير قوله تعالى (اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله): قال شيخنا ومولانا خاتمة المحققين والمجتهدين رضي الله عنهم: قد شاهدت جماعة من مقلّدة الفقهاء، قرأت عليهم آيات كثيرة من كتاب الله تعالى في بعض المسائل، وكانت مذاهبهم بخلاف تلك الآيات، فلم يقبلوا تلك الآيات ولم يلتفتوا إليها، وبقوا ينظرون إليَّ كالمتعجِّب، يعني كيف يمكن العمل بظواهر هذه الآيات مع أن الرواية عن سَلَفنا وردت على خلافها، ولو تأمَّلتَ حق التأمَّل وجدتَ هذا الداء سارياً في عروق الأكثرين من أهل الدنيا(88). وقال السيد سابق في فقه السنة: وقد بلغ الغلو في الثقة بهؤلاء الأئمة حتى قال الكرخي ـ وهو حنفي ـ: كل آية أو حديث يخالف ما عليه أصحابنا فهو مؤول أو منسوخ ؟!(89) وقال ابن حزم: قال بعض من قوي جهله وضعف عقله ورقَّ دينه: إذا اختلف العالمان وتعلَّق أحدهما بحديث عن النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) أو آية، وأتى الآخر بقول يخالف ذلك الحديث وتلك الآية، فواجب اتباع من خالف الحديث، لأننا مأمورون بتوقيرهم(90). وعن إبراهيم النخعي قال: لو رأيتهم يتوضؤون إلى الكوعين ما تجاوزتهما وأنا أقرؤها (إلى المرافق)(91). ومِن تعصّبهم: ما جرَّهم إلى أمور منكرة ومهاترات عجيبة. ومن ذلك ما ذكره ابن كثير في ترجمة محمد بن موسى بن عبد الله الحنفي، فقال: ولي قضاء دمشق، وكان غالياً في مذهب أبي حنيفة... وكان يقول: لو كانت لي الولاية لأخذت من أصحاب الشافعي الجزية. وكان مبغضاً لأصحاب مالك أيضاً(92). وذكر الذهبي في العِبَر أن الفقيه الشافعي أبا حامد محمد بن محمد البروي الطوسي صاحب التعليقة المشهورة في الخِلاف كان بارعاً في معرفة مذهب الأشعري، قدم بغداد وشغب على الحنابلة، وأثار الفتنة، ووعظ بالنظامية، فأصبح ميتاً، فيقال: إن الحنابلة أهدوا له مع امرأة صحن حلوى مسمومة. وقيل: إن البروي قال: لو كان لي أمر لوضعت على الحنابلة الجزية(93). ومِن تعصّبهم: ما جرَّهم إلى فتاوى غريبة وأحكام عجيبة. فقد أفتى بعض الأحناف بعدم جواز تزويج الحنفي بالشافعية، باعتبار أن الشافعية تشك في إيمانها، لأن الشافعي يقول: أنا مؤمن إن شاء الله. إلا أن بعضهم قال: يجوز ذلك، قياساً على الذمّية، أي فكما يجوز زواج الحنفي بالذمّية كذلك يجوز زواج الحنفي بالشافعية. ومن تعصبهم: ما أحدث الفتن فيما بينهم. قال ابن الأثير في الكامل في حوادث سنة 323هـ في بغداد: وفيها عظم أمر الحنابلة، وقويت شوكتهم، وصاروا يكسبون من دُور القُوَّاد والعامة، وإن وجدوا نبيذاً أراقوه، وإن وجدوا مغنية ضربوها، وكسروا آلة الغناء، واعترضوا في البيع والشراء، ومشْي الرجال مع النساء والصبيان، فإذا رأوا ذلك سألوه عن الذي معه من هو؟ (فإذا) أخبرهم، وإلا ضربوه وحملوه إلى صاحب الشرطة، وشهدوا عليه بالفاحشة، فأرهجوا بغداد... وزاد شرّهم وفتنتهم، واستظهروا بالعميان الذين كانوا يأوون المساجد، وكانوا إذا مرَّ بهم شافعي المذهب أغروا به العميان، فيضربونه بعِصِيّهم حتى يكاد يموت(94). ومن تعصبهم: ما سبَّب إغلاق باب الاجتهاد عند أهل السنة. قال السيد سابق: وبالتقليد والتعصب للمذاهب فقدت الأمة الهداية بالكتاب والسنة، وحدث القول بانسداد باب الاجتهاد، وصارت الشريعة هي أقوال الفقهاء، وأقوال الفقهاء هي الشريعة، واعتُبر كل من يخرج عن أقوال الفقهاء مبتدعاً لا يوثق بأقواله، ولا يُعتد بفتاويه(95). وقال أبو شامة: وكانت تلك الأزمنة مملوءة بالمجتهدين، فكل صنف على ما رأى، وتعقب بعضهم بعضاً مستمدّين من الأصلين: الكتاب والسنة... ولم يزل الأمر على ما وصفت إلى أن استقرّت المذاهب المدوَّنة، ثم اشتهرت المذاهب الأربعة، وهُجر غيرها، فقصرت همم أتباعهم إلا قليلاً منهم، فقلَّدوا بعدما كان التقليد حراماً لغير الرسُل، بل صارت أقوال أئمتهم بمنزلة الأصلين: الكتاب والسنة، وذلك معنى قوله تعالى (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله) فعُدِم المجتهدون، وغلب المتقلّدون، وكثر التعصب، وكفروا بالرسول حيث قال: يبعث الله في كل مائة سنة مَن ينفي تحريف الغالين وانتحال المبطلين، وحجَروا على ربّ العالمين مثل اليهود أن لا يبعث بعد أئمتهم وليّاً مجتهداً، حتى آل بهم إلى التعصب إلى أحدهم إذا أُورد عليه شيء من الكتاب والسنة على خلافه، يجتهد في دفعه بكل سبيل من التأويلات البعيدة، نصرةً لمذهبه ولقوله(96). ومن تعصّبهم: غلوّ كل طائفة في إمامها. قال البيهقي: إن الشافعي إنما وضع الكتب على مالك أنه بلغه أن بالأندلس قلنسوة لمالك يُستسقى بها، وكان يقال لهم: (قال رسول الله). فيقولون: (قال مالك). فقال الشافعي: إن مالكاً بَشَرٌ يخطئ. فدعاه ذلك إلى تصنيف الكتاب في اختلافه معه(97). وأخرج الخطيب عن علي بن جرير، قال: كنت في الكوفة فقدمت البصرة وبها ابن المبارك، فقال لي: كيف تركت الناس؟ قال: قلت: تركت بالكوفة قوماً يزعمون أن أبا حنيفة أعلم من رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم). قال: كُفْر. قلت: اتخَذوك في الكفر إماماً. قال: فبكى حتى ابتلّت لحيته، يعني أنه حدَّث عنه. وعنه أيضاً قال: قدمت على ابن المبارك، فقال له رجل: إن رجلين تماريا عندنا في مسألة، فقال أحدهما: قال أبو حنيفة. وقال الآخر: قال رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم). فقال: كان أبو حنيفة أعلم بالقضاء(98). هذا غيض من فيض من الآثار المذمومة للتعصب للمذاهب، نسأل الله أن يأخذ بيد جميع المسلمين إلى رضاه، إنه قريب مجيب. يتبع |
يتبع المذاهب الاربعة
المسْلم غير ملزم باتباع أحد المذاهب الأربعة:
هذا وقد ذكر بعض علماء أهل السنة في كتبهم ما يضيء الدرب أمام مَن التزم باتباع مذهب معين، فشدَّدوا في الإرشاد، وأبلغوا في النصح، لعل شيئاً منها يجد أذناً صاغية أو قلباً واعياً. وإليك بعض كلماتهم: قال ابن عبد البر: يقال لمن قال بالتقليد: لِمَ قلتَ به وخالفتَ السلف في ذلك، فإنهم لم يقلّدوا؟ فإن قال: قلَّدتُ لأن كتاب الله جل وعزّ لا علم لي بتأويله، وسُنّة رسوله لم أحصها، والذي قلّدته قد علم ذلك، فقلّدت مَن هو أعلم مني. قيل له: أما العلماء إذا اجتمعوا على شيء من تأويل الكتاب، أو حكاية سُنّة عن رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم)، أو اجتمع رأيهم على شيء فهو الحق، لا شك فيه، ولكن اختلفوا فيما قلّدت فيه بعضهم دون بعض، فما حُجّتك في تقليد بعض دون بعض، وكلهم عالم، ولعل الذي رغبت عن قوله أعلم من الذي ذهبت إلى مذهبه. فإن قال: قلّدته لأني علمت أنه صواب. قيل له: علمتَ ذلك بدليل من كتاب أو سُنّة أو إجماع، فقد أَبطَلَ التقليد، وطولب بما ادّعاه من الدليل. وإن قال: قلّدته لأنه أعلم مني. قيل له: فقلّد كل من هو أعلم منك، فإنك تجد خلقاً كثيراً، ولا تخص مَن قلّدته، إذ علّتك فيه أنه أعلم منك. فإن قال: قلّدته لأنه أعلم الناس. قيل له: فهو إذن أعلم من الصحابة. وكفى بقول مثل هذا قبحاً. وإن قال: إنما أقلّد بعض الصحابة. قيل له: فما حُجّتك في ترك مَن لم يُقلَّد منهم، ولعل مَن تركتَ قوله منهم أفضل ممن أخذت بقوله. على أن القول لا يصح لفضل قائله، وإنما يصح بدلالة الدليل عليه(99). وقال ابن حزم: إن العجب ليطول ممن اختار أخذ أقوال إنسان بعينه لم يصحبه من الله عز وجل معجزة، ولا ظهرت عليه آية، ولا شهد الله له بالعصمة عن الخطأ، ولا بالولاية. وأعجب من ذلك إن كان مِن التابعين فمَن دونهم، ممن لا يُقطع على غيب إسلامه(100)، ولا بِيَد مقلِّده أكثر من حسن الظن به، وأنه في ظاهر أمره فاضل من أفاضل المسلمين، لا يقطع له على غيره من الناس بفضل، ولا يشهد له على نُظرائه بسبق، إن هو إلا الضلال المبين(101). ثم قال: ثم ننحط في سؤالهم درجة فنقول: ما الذي دعاكم إلى التهالك على قول مالك وابن القاسم؟ فهلاّ تبعتم قول عمر بن الخطاب وابنه فتهالكتم عليها؟ فهما أعلم وأفضل من مالك وابن القاسم عند الله عز وجل بلا شك. ونقول للحنفيين: ما الذي حملكم على التماوت على قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن؟ فهلاّ طلبتم أقوال عبد الله بن مسعود وعلي فتماوتّم عليها؟ فهما أفضل وأعلم من أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن عند الله تعالى بلا شك. ونقول لمَن قلّد الشافعي رحمه الله: ألم ينهكم عن تقليده وأمركم باتباع كلام النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) حيث صحّ؟ فهلاّ اتبعتموه في هذه القولة الصادقة التي لا يحل خلافها لأحد؟(102) وقال ابن القيم: نقول: أخذتم بقول فلان لأن فلاناً قاله؟ أو لأن رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) قاله؟ فإن قلتم: (لأن فلاناً قاله) جعلتم قول فلان حُجّة، وهذا عين الباطل. وإن قلتم: (لأن رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) قاله) كان هذا أعظم وأقبح، فإنه مع تضمّنه للكذب على رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) وتقويلكم عليه ما لم يقله، هو أيضاً كذب على المتبوع، فإنه لم يقُل: هذا قول رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم. فقد دار قولكم بين أمرين لا ثالث لهما: إما جعل قول غير المعصوم حجّة، وإما تقويل المعصوم ما لم يقُله، ولا بد من واحد من الأمرين. فإن قلتم: بل منهما بُد، وبقي قسم ثالث، وهو أنا قلنا كذا، لأن رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) أمرَنا أن نتّبع مَن هو أعلم منا، ونسأل أهل الذِّكر إن كنا لا نعلم، ونرُدّ ما لم نعلمه إلى استنباط أولي العلم، فنحن في ذلك متَّبِعون ما أمَرَنا به نبيّنا. قيل: وهل نُدَنْدِن إلا حول اتّباع أمره (صلى الله عليه وآله] وسلم)، بالموافقة على هذا الأصل الذي لا يتم الإيمان والإسلام إلا به، فنُناشدكم بالذي أرسله: إذا جاء أمره وجاء أمر مَن قلّدتموه، هل تتركون قوله لأمره (صلى الله عليه [وآله] وسلم)، وتضربون به الحائط، وتحرِّمون الأخذ به والحالة هذه، حتى تتحقق المتابعة كما زعمتم، أم تأخذون بقوله، وتفوِّضون أمر الرسول (صلى الله عليه [وآله] وسلم) إلى الله، وتقولون: هو أعلم برسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) منا، ولم يخالف هذا الحديث إلا وهو عنده منسوخ أو مُعارَض بما هو أقوى منه، أو غير صحيح عنده. فتجعلون قول المتبوع مُحْكَماً، وقول الرسول متشابِهاً، فلو كنتم قائلين بقوله لكون الرسول أمركم بالأخذ بقوله، لقدَّمتم قول الرسول أين كان. وقال: إن ما ذكرتم بعينه حُجّة عليكم، فإن الله سبحانه أمر بسؤال أهل الذِّكر، والذكر هو القرآن والحديث... فهذا هو الذِّكر الذي أمرنا الله باتباعه، وأمر مَن لا عِلم عنده أن يسأل أهله، وهذا هو الواجب على كل أحد أن يسأل أهل العلم بالذِّكر الذي أنزله الله على رسوله ليُخبروه به، فإذا أخبروه به لم يسعه غير اتباعه، وهذا كان شأن أئمة أهل العلم، لم يكن فيهم مقلِّد معيَّن يتّبعونه في كل ما قال، فكان عبد الله بن عباس يسأل الصحابة عما قاله رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) أو فعَله أو سَنَّه، لا يسألهم عن غير ذلك، وكذلك الصحابة... وكذلك التابعون كانوا يسألون الصحابة عن شأن نبيّهم فقط، وكذلك أئمة الفقه... ولم يكن أحد من أهل العلم قط يسأل عن رأي رجل بعينه ومذهبه، فيأخذ به وحده، ويخالف له ما سواه(103). وقال الشيخ محمد حياة السندي: من تعصّب لواحد معين غير الرسول (صلى الله عليه [وآله] وسلم)، ويرى أن قوله هو الصواب الذي يجب اتباعه دون الأئمة الآخرين فهو: ضال جاهل، بل قد يكون كافراً يستتاب، فإن تاب وإلا قُتل. فإنه متى اعتقد أنه يجب على الناس اتباع واحد معين من الأئمة رضي الله عنهم دون الآخرين، فقد جعله بمنزلة رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم)، وذلك كفر(104). هذا قليل من كثير قالوه في مسألة عدم جواز اتباع واحد من المذاهب المعروفة، الأربعة وغيرها، ولو شئنا استقصاءه لخرجنا عن الموضوع، ولكن فيما ذكرناه كفاية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، والحمد لله رب العالمين. خلاصة البحث: لقد اتّضح مما تقدم أمور: 1 ـ أن المذاهب إنما هي أمور مستحدثة، أُحدثت بعد زمان النبي (صلى الله عليه وآله) بأكثر من قرن من الزمان. ولم يرِد نصّ من رسول الله (صلى الله عليه وآله) على جواز التعبد بأي منها. وكل ما روي في فضلهم فلا يعدو أن يكون أحاديث موضوعة أو أحلام مكذوبة. 2 ـ أن علماء أهل السنّة نصّوا على عدم جواز التقليد في الدين، وعدم جواز التعبد بأي مذهب من المذاهب الأربعة وغيرها، وأكّدوا أن وظيفة العامي هي اتباع كتاب الله وسُنة رسوله (صلى الله عليه وآله)، ولا يجوز له أن يأخذ دِينه من الرجال. 3 ـ أن أئمة المذاهب الأربعة نهوا عن تقليدهم، وأمروا بعرض ما يُنقل من فتاواهم على كتاب الله وسُنة رسوله (صلى الله عليه وآله)، فما وافقها يؤخذ، وما خالفها يُطرح. 4 ـ أن الأئمة الأربعة رجال غير معصومين، لهم عثرات وأخطاء، وقد طعَن فيهم مَن طعن، بحق أو بغير حق. فبعد هذا كله نسأل أهل السنّة: هل يجوز التعبد بهذه المذاهب المستحدثة، وهل تبرأ ذمّة المكلف باتباع واحد منها؟ لقد أجاب ابن حزم على هذا السؤال، فقال: وأما مَن أخذ برأي أبي حنيفة أو رأي مالك أو غيرهما، فقد أخذ بما لم يأمره الله تعالى قط بالأخذ به، وهذه معصية لا طاعة(105). وقال السيد محمد باقر الحجة: قَلَّدْتُمُ النعمـانَ أو محمــدا أو مالـكَ بنَ أنسٍ أو أحمــدا فهل أتى الذِّكرُ به أو وصَّى به النبي، أو وجدتم نصَّا؟(106) ( ومِن الناس مَن يَتَّخِذ مِن دون الله أَندادًا يُحِبُّونهم كَحُبِّ الله والذين آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لله وَلَو يَرَى الذين ظَلَمُوا إذ يَرَون العذاب أَنَّ القُوَّة لله جميعًا وأَنَّ الله شديد العذاب * إذ تَبَرَّأَ الذين اتُّبِعُوا مِن الذين اتَّبَعُوا ورأَوا العذاب وَتَقَطَّعَتْ بهم الأَسْباب * وقال الذين اتَّبَعُوا لو أَنَّ لنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ منهم كما تَبَرَّءُوا منَّا كذلك يُرِيهم الله أَعمالهم حَسَرَاتٍ عليهم وما هُم بِخَارِجين من النَّار * يا أَيّها الناس كُلُوا مِمَّا في الأَرض حلالاً طَيِّبًا ولا تَتَّبِعُوا خُطُوات الشَّيطان إِنَّه لكم عَدُوٌّ مُبين * إِنَّمَا يأْمركم بالسُّوء والفحشاء وأَنْ تقولوا على الله ما لا تَعْلَمون * وإذا قِيلَ لَهُم اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ الله قَالوا بَل نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنَا عليه آباءنا أَوَلَو كان آباؤهم لا يَعْقِلُونَ شيئًا ولا يَهْتَدُون)[سورة البقرة: الآية 165 ـ 170]. يتبع |
يتبع المذاهب الاربعة
الهوامش:
1- هو يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، ولد في الكوفة سنة 113هـ، ونشأ فيها، وكان فقيراً معدماً، اتصل بأبي حنيفة وتتلمذ على يديه، وفأولاه أبو حنيفة عناية خاصة، فكان ينفق عليه وعلى عياله، إلى أن مات أبو حنيفة سنة 150 هـ، فأستقل برئاسة المذهب، وتولى القضاء، وحظي بمكانة عظيمة عند هارون الرشيد، وهو أول من لقب بقاضي القضاة، ونشر مذهب أبي حنيفة في الآفاق، توفي سنة 182 هـ، وعمره 69 سنة. 2- الكامل في التاريخ ج 7 ص 101. 3- الإحكام في أصول الأحكام ج 6 ص 126. 4- المواعظ والاعتبار (خطط المقريزي) ج 3 ص 390. 5- البداية والنهاية ج 13 ص 260. 6- العبر في خبر من غبر ج 3 ص 307. شذرات الذهب ج 5 ص 312. النجوم الزاهرة ج 7 ص 121. 7- فقه السنة ج 1 ص 10. 8- له ترجمة في الأنتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء، ص 121 ـ ص 175، ميزان الاعتدال ج 4 ص 265. تقريب التهذيب، ص 563 ت 7153. سير أعلام النبلاء ج 6 ص 390 ت 163. تهذيب التهذيب ج 10 ص 401 ت 819. التاريخ الكبير ج 8 ص 81 ت 2253. الجرح والتعديل ج 8 ص 449 ت 2062. تاريخ بغداد ج 13 ص 323. الطبقات الكبرى ج 6 ص 368. طبقات الحفاظ، ص 80 ت 156. شذرات الذهب ج 1 ص 227. تاريخ الثقات، ص 450 ت 1694. البداية والنهاية ج 10 ص 110. تذكرة الحفاظ ج 1 ص 168 ت 163. العبر في خبر من غبر ج 1 ص 164. تهذيب الأسماء والصفات ج 2 ص 216. النجوم الزاهرة ج 2 ص 12. وفيات الأعيان ج 5 ص 405 ت 765. مفتاح السعادة ج 2 ص 174. الأعلام ج 8 ص 36. 9- له ترجمة في البداية والنهاية ج10 ص 180. تذكرة الحفاظ ج 1 ص 207 ت 199. شذرات الذهب ج 1 ص 289. تهذيب الأسماء والصفات ج 2 ص 75. تهذيب التهذيب ج 10 ص 5. طبقات الحفاظ، ص 96 ت 189. تقريب التهذيب، ص 516 ت 6425. حلية الأولياء ج 6 ص 316 ت 394. صفة الصفوة ج 2 ص 177 ت 189. العبر في خبر من غبر ج 1 ص 210. النجوم الزاهرة ج 2 ص 96. وفيات الأعيان ج 4 ص 135 ت 550. الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء، ص 9 ـ ص 63. التاريخ الكبير ج 7 ص 310 ت 1323. الجرح والتعديل ج 8 ص 204 ت 902. سير أعلام النبلاء ج 8 ص 48. مفتاح السعادة ج 2 ص 195. 10- له ترجمة في الأنتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء، ص 65 ـ ص 119. طبقات الحفاظ، ص 157 ت 336. البداية والنهاية ج 10 ص 262. شذرات الذهب ج 2 ص 9. تاريخ بغداد ج 2 ص 56. تهذيب الأسماء واللغات ج 1 ص 44. تذكرة الحفاظ ج 1 ص 361 ت 354. تهذيب التهذيب ج 9 ص 23. العبر في خبر من غبر ج 1 ص 269. حلية الأولياء ج 9 ص 63 ت 451. وفيات الأعيان ج 4 ص 163 ت 558. تقريب التهذيب، ص 467 ت 5717. سير أعلام النبلاء ج 10 ص 5. طبقات الحنابلة ج 1 ص 280. الجرح والتعديل ج 7 ص 201 ت 1130. النجوم الزاهرة ج 2 ص 176. الوافي بالوفيات ج 2 ص 171. صفة الصفوة ج 2 ص 248 ت 220. مفتاح السعادة ج 2 ص 199. الأعلام ج 6 ص 26. 11- له ترجمة في طبقات الحفاظ، ص 189 ت 417. شذرات الذهب ج 2 ص 96. تذكرة الحفاظ ج 2 ص 431 ت 438. سير أعلام النبلاء ج 11 ص 177. العبر في خبر من غبر ج 1 ص 342. التاريخ الكبير ج 2 ص 5 ت 1505. الطبقات الكبرى ج 7 ص 354. تهذيب الأسماء واللغات ج 1 ص 110. طبقات الحنابلة ج 1 ص 4. البداية والنهاية ج 10 ص 340. تهذيب التهذيب ج1 ص 62 ت 126. تقريب التهذيب، ص 84 ت 96. تاريخ بغداد ج 4 ص 412. حلية الأولياء ج 9 ص 161 ت 453. صفة الصفوة ج 2 ص 336 ت 262. وفيات الأعيان ج 1 ص 63 ت 20. النجوم الزاهرة ج 2 ص 304. مفتاح السعادة ج 2 ص 208. 12- الرد على من أخلد إلى الأرض ص 131. 13- المصدر السابق ص 133. 14- أعلام الموقعين ج 2 ص 192. 15- هدية السلطان ص 47. 16- الرد على من أخلد إلى الأرض ص 132. 17- أعلام الموقعين ج 2 ص 200. 18- الإحكام في أصول الأحكام ج 6 ص 314. 19- أعلام الموقعين ج 2 ص 200. 20- الانتقاء ص 145. 21- الإحكام في أصول الأحكام ج 6 ص 174. 22- الرد على من أخلد إلى الأرض ص 141. 23- مختصر المزني ص 1. ونقل ذلك عنه السيوطي في المصدر السابق ص 142. 24- أعلام الموقعين ج 2 ص 211. 25- الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء ص 144 ، ص 145. 26- آداب الشافعي ومناقبه، ص 68. حلية الأولياء ج 9 ص 106، ص 107. توالي التأسيس ص 107. مناقب الإمام الشافعي ص 359. أعلام الموقعين ج 2 ص 285. البداية والنهاية ج 10 ص 265. تذكرة الحفاظ ج 1 ص 362. سير أعلام النبلاء ج 10 ص 33، ص 34 ، ص 35. 27- الإحكام في أصول الأحكام ج 6 ص 294. تهذيب التهذيب ج 10 ص 8. 28- الإحكام في أصول الأحكام ج 6 ص 276. 29- المصدر السابق ج 6 ص 281. 30- تاريخ بغداد ج 13 ص 335. 31- المصدر السابق. 32- اللآلي المصنوعة ج 1 ص 457. 33- الفوائد المجموعة ص 420 ح 185. 34- اللآلي المصنوعة ج 1 ص 458. 35- الكامل في ضعفاء الرجال ج 1 ص 178. 36- اللآلي المصنوعة ج 1 ص 458. 37- الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة ص 455. 38- سنن الترمذي ج 5 ص 47 ح 2680. مسند أحمد ج 15 ص 135 ح 7967. 39- ذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء ج 8 ص 156 عن الشافعي أنه قال: الليث أفقه من مالك، ولكن الخطوة لمالك رحمه الله. وعن الشافعي: الليث أتبع للأثر من مالك. وفي تاريخ بغداد ج 2 ص 298 عن أحمد بن حنبل قال: كان أبن أبي ذئب ثقة صدوقاً، أفضل من مالك بن أنس. وفي ج 2 ص 175 عن يحيى بن صالح قال: محمد بن الحسن فيما يأخذه لنفسه أفقه من مالك. وفي ج 9 ص 164 عن علي بن المديني قال: سألت يحيى بن سعيد قلت له: أيما أحب إليك، رأي مالك أو رأي سفيان؟ قال: سفيان لا يشك في هذا... سفيان فوق مالك في كل شيء، يعني في الحديث وفي الفقه وفي الزهد. وفي ج 2 ص 302 أن شامياً سأل الإمام أحمد: من أعلم، مالك أو أبن أبي ذئب؟ فقال: أبن أبي ذئب في هذا أكبر من مالك، وأبن أبي ذئب اصلح في دينه وأورع ورعاً، وأقوم بالحق من مالك عند السلاطين. 40- سنن الترمذي ج 5 ص 47 ح 2680. 41- مسند أحمد ج 15 ص 135 ح 7967. 42- تاريخ بغداد ج 13 ص 377. 43- الفوائد المجموعة ص 420 ح 186. 44- الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء ص 145 ـ ص 146. 45- حلية الأولياء ج 6 ص 317. 46- تاريخ بغداد ج 2 ص 69. 47- تاريخ بغداد ج 4 ص 423. 48- البداية والنهاية ج 10 ص 357. 49- التاريخ الكبير ج 8 ص 81 ت 2253. وذكر الخطيب في تاريخ بغداد ج 13 ص 379 ص 380 ص 398 ص 399 من قال إن أبا حنيفة من المرجئة. وقال أبن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله ج 2 ص 1072 (ط محققة): ونقموا أيضاً على أبي حنيفة الإرجاء، ومن أهل العلم من ينسب إلى الإرجاء كثير، ولم يعن أحد بنقل قبيح ما قيل فيه كما عنوا بذلك في أبي حنيفة لإمامته. وراجع الكامل في ضعفاء الرجال ج 7 ص 8. 50- التاريخ الصغر ج 2 ص 93. تاريخ بغداد ج 13 ص 418. الكامل في ضعفاء الرجال ج 7 ص 8. 51- وذكره أيضاً الخطيب في تاريخ بغداد ج 13 ص 390 ص 393. 52- الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء ص 149 ص 150. 53- المصدر السابق ص 150. 54- تاريخ بغداد ج 13 ص 420. 55- المصدر السابق ج 13 ص 415. 56- روى الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ج 13 ص 450 ص 451 أن أبا حنيفة ضعفه: يحيى بن معين، وعلي بن المديني، وعمرو بن علي، والجوزجاني، وابن أبي شيبة، ومسلم، والنسائي. وضعفه كذلك ابن عدي في الكامل ج 7 ص 5 ص 12. 57- ميزان الاعتدال ج 4 ص 265 ت 9092. 58- الجرح والتعديل ج 8 ص 450 ت 2062. 59- الطبقات الكبرى ج 6 ص 368. 60- حلية الأولياء ج 6 ص 325. تاريخ بغداد ج 13 ص 421. الكامل في ضعفاء الرجال ج 7 ص 6. 61- الإحكام في أصول الأحكام ج 6 ص 223. تاريخ بغداد ج 13 ص 413 ص 414. 62- تاريخ بغداد ج 13 ص 439. 63- حلية الأولياء ج 10 ص 103. 64- تاريخ بغداد ج 13 ص 394. 65- تاريخ بغداد ج 13 ص 370 ص 454 ذكر الخطيب أكثر من 150 قولا في ذمه ص 147 ص 152. جامع بيان العلم وفضله ج 2 ص 1074 ص 1079 ص 1086 (ط محققة) الكامل في ضعفاء الرجال ج 7 ص 5 ص 12. 66- تذكرة الحفاظ ج 1 ص 210 ت 199. شذرات الذهب ج 1 ص 289 ص 290 وفيات الأعيان. 67- شذرات الذهب ج 1 ص 292. وفيات الأعيان ج 4 ص 137. الإحكام في أصول الأحكام الدين ج 6 ص 224. جامع بيان العلم وفضله ج 2 ص 1072 ( ط محققة ). 68- سير أعلام النبلاء ج 8 ص 77. 69- تاريخ بغداد ج 13 ص 445. 70- فتاوى ومسائل ابن الصلاح ج 1 ص 13. 71- جامع بيان العلم وفضله ج 2 ص 1080 (ط محققة). 72- المصدر السابق ج 2 ص 1105. 73- المصدر السابق ج 2 ص 1109. 74- ذكر الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ج 2 ص 302 عن أحمد بن حنبل قال: بلغ ابن أبي ذئب أن مالكا لم يأخذ بحديث (البيعين الخيار)، قال: يستتاب وإلا ضربت عنقه. 75- المصدر السابق ج 2 ص 1115. 76- هو سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن، كان قاضي المدينة، روى عنه الستة. 77- تهذيب التهذيب ج 3 ص 403 ص 404. 78- جامع العلم وفضله ج 2 ص 1083 (ط محققة). 79- المصدر السابق ج 2 ص 1114. 80- توالي التأسيس ص 177. 81- لسان الميزان ج 6 ص 67. 82- سير أعلام النبلاء ج 11 227. 83- فتاوى ومسائل ابن الصلاح ج 1 ص 13. 84- مناقب الإمام الشافعي ص 389. 85- تهذيب التهذيب ج 7 ص 304. 86- تاريخ بغداد ج 8 ص 65. 87- ذكر الخطيب في تاريخ بغداد ج 6 ص 66 أن رجلاً سأل أحمد بن حنبل عن مسألة في الحلال والحرام، فقال له أحمد: سل عافاك الله غيرنا. قال: إنما نريد جوابك يا أبا عبد الله. فقال: سل عافاك الله غيرنا، سل الفقهاء، سل أبا ثور. 88- التفسير الكبير ج 16 ص 37. 89- فقه السنة ج 1 ص 10. 90- الإحكام في أصول الأحكام ج 6 ص 260. 91- المصدر السابق ج 6 ص 263. 92- البداية والنهاية ج 12 ص 187. لسان الميزان ج 5 ص 402. 93- العبر في خبر من غبر ج 3 ص 52. شذرات الذهب ج 4 ص 224. 94- الكامل في التاريخ ج 8 ص 307 ص 308. 95- فقه السنة ج 1 ص 10. 96- المختصر المؤمل للردل إلى الأول ص 14 ص 15. (عن كتاب الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ج 2 ص 145). 97- توالي التأسيس ص 147. 98- تاريخ بغداد ج 13 ص 441 ص 442. 99- جامع بيان العلم وفضله ج 2 ص 117. 100- يعني كيف نقلد من لا نقطع بأنه مسلم، غاية ما في الأمر أننا نحسن الظن به باعتبار أنه في الظاهر من أفاضل المسلمين، أما العلم بحقيقة حاله فلا سبيل لنا إليه. 101- الإحكام في أصول الأحكام ج 6 ص 280. 102- المصدر السابق ج 6 ص 281. 103- أعلام الموقعين ج 2 ص 233 ص 234. 104- رسالة (إرشاد النقاد إلى أدلة الاجتهاد) ضمن المجموعة المنيرية ج 1 ص 26 ص 28 (عن كتاب السجود على التربة الحسينية للسيد محمد مهدي الخرسان). 105- الإحكام في أصول الأحكام ج 6 ص 226. مــــنــــقــــــول |
مشكووووووووووور
مشكووووووووووور أخوي على المـوضـــوع الجميـــــل
وجزاك الله خير وجعله في موازين حســــناتـــــك صقـر عتيبة |
مشكور الله يعطيك العافية
وينفع بما نقلت ويجعله في ميزان حسناتك تحيااااااااااااااااااااتي |
مشكوووووووور وماقصرت
أخوي أمير القوافل لك خالص تحياتي :دليل القوافل |
مشكوور على الموضوع المفيد للناس
تقبل مروري |
الساعة الآن 02:34 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir