أولى الجماعات ذات التأثير المباشر في حياة الصغار تعرف بالجماعة الوثقى حيث تكون الأم هي الأساس في إيجاد هذه الجماعة وحيث تكون رعاية الأم للصغير من النواحي الجسمية والنفسية ذات أثر كبير في حياته الانفعالية والاجتماعية فيما بعد.
ثم تتطور العلاقة بعد ذلك إلى الجماعة الأولية primary Group والتي تتمثل في علاقة الصغار بأفراد الأسرة والجوار.
ثم تتطور العلاقة بعد ذلك إلى الجماعة الوسطى Intermidate Gropu والتي تنشأ من علاقة الصغير بزملائه في المدرسة التي يبدأ تعليمه فيها.
ثم تنتهي العلاقة بعد ذلك بالجماعة الثانوية Secondary Group والتي تنشأ من العلاقة التي تحدثها المدرسة والمجتمع في الأبناء عندما يدخلون إلى المدرسة الثانوية والتعليم العالي والمجتمع الذي يعمل فيه الأبناء عند تخرجهم إلى الحياة.
تربية الصغار:
يعنينا أن نوضح كيف يتحول الصغير إلى مواطن عندما ينشأ في وسط اجتماعي، والمواطن هو الإنسان الاجتماعي الذي يخضع للنظام الاجتماعي القائم والذي يصبح عضواً فيه يشارك في النشاط الاجتماعي على مستوى الأسرة والمجتمع ويمارس حقوقه وواجباته.
والتربية هنا تعرف بالتنشئة الاجتماعية للصغار ليصبحوا راشدين، قادرين على المساهمة في أنشطة المجتمع الذي ينتمون إليه، وهذه العملية تعرف بالتطبيع الاجتماعي أو التعلم الاجتماعي.
التنشئة الاجتماعية Socialzation
وهي العملية التي تهدف إلى التعليم الاجتماعي Social Learing والتي تقوم على إكساب الأفراد الصفات الاجتماعية أي العادات الاجتماعية المقبولة وذلك عن طريق التدريب المستمر في مراحل العمر المختلفة، وقد يحدث عند اختلاف البيئة المادية والاجتماعية التي ينشأ فيها الآباء عن تلك التي يعيش فيها الأبناء، قد يحدث عن هذا الاختلاف صراع ومشاكل، نتيجة لاختلاف العادات والتقاليد.
فطفل البادية أو القرية عندما ينتقل إلى المجتمعات الحديثة في المدن، تختلف ظروف تنشئته الاجتماعية عن الظروف التي ينشأ عليها والداه، ويترتب على ذلك إما تباعد أو تقارب بين جيل الآباء وجيل الأبناء، وتختلف أساليب التدريب في التنشئة الاجتماعية من الإفراط والمغالاة إلى التراخي والتهاون في التنشئة.
والتراخي والتهاون من شأنهما إتاحة الفرص أمام الصغير إلى تجاوز الحدود الواجبة وعدم مراعاة مشاعر الكبار، وكثرة مطالبه والإصرار على تحقيقها رغم ما قد يكون في تحقيقها من أضرار بالصغير وأفراد مجتمعه وفي هذا ما يؤدي إلى العدوانية.
والإفراط والمغالاة من شأنهما تقييد حدود وحرية الفرد بالالتزامات والحدود الاجتماعية،وفي هذا الإفراط ما يعيق الصغير من حرية التصرف في مواجهة مشاكل الحياة، ومن قلة الفرص المتاحة لخصوبة وأصالة التفكير والابتكار وما قد يتبع ذلك من الجمود والتكاسل عن تحمل التبعات، وفي هذه الوسائل كلها ما يؤدي إلى التبعية والخضوع.
سلوك الآباء في التنشئة الاجتماعية
ذكرنا أن التراخي والتهاون في تنشئة الصغار من شأنهما ظهور سمات العدوانية بينهم، بينما الإفراط والمغالاة في التنشئة الاجتماعية من شأنها اتسام الأبناء بالتبعية والخضوع.
وسمات العدوانية والتبعية ليس بالضرورة أن تكون السمات السائدة في حياة الفرد- فقد يكون الفرد سلوكه يتسم بالعدوانية في حياته العائلية بينما مع رفاقه وفي حياته العملية مسالماً.
وقد يكون الفرد مفرطا في سلوكه مع مرؤوسيه، بينما هو في ذات الوقت ينصاع ويخضع ويتبع الأوامر في سلوكه مع رؤسائه.
وبذلك ليس بالضرورة في سمات البشر، أن تكون التبعية والعدوانية هي السمات الظاهرة، بل قد تظهر التبعية والعدوانية في المواقف الاجتماعية المحدودة، أو في كل أو أعم المواقف الاجتماعية التي يعيشها الفرد، كما أنه علينا أن نشير إلى أن الأفراد الذين يتسم سلوكهم-كله- بالعدوانية أو التبعية- إنما يعتبر ذلك حالات مرضية شاذة أو ما يعرف بالانحرافات نتيجة لما سبق ذكره من التراخي أو الإفراط في التنشئة الاجتماعية.
ومما لا شك فيه أن التربية من خلال الأسرة تؤدي إلى هذه الانحرافات السلوكية، فالعدوانية Aggressiveness ترتبط بالبيئة الأسرية ارتباطاً كبيراً إذ أن الآباء ووسائلهم في التنشئة للصغار، هي التي تسبب ظهور العدوانية عند الصغار حيث :
1 – قد يتعرض الصغار للإيذاء- في التنشئة- من أحد الوالدين أو من كليهما.
2 – قد لا يكون الآباء موفقين في حياتهم الأسرية، وتزداد المشاكل والتفرق بين الأبوين،وقد تحدث وتثار مشاكلهم أمام الأبناء وفي هذا ما يوضح جوانب الفشل في الحياة الأسرية للأبناء، واتسام سلوكهم فيما يعد بالعدوانية.
3 – قد يحدث صراع بين الآباء في أسلوب تربية الصغار، فقد يحابي الأب الذكور من الأبناء وقد يكون العكس هو حال الأم، ولذلك اختلاف الوالدين في أسلوب تربية الصغار من أسباب ظهور العدوانية.
4 – القسوة والصرامة والشدة من جانب الآباء في تنشئة الصغار وعدم إظهار مشاعر العطف والحنو تجاه الأبناء.
5 – قلة الإنجاب لأسباب صحية من الأم أو لعدم توافق الحياة الزوجية أو لضيق الحياة الاقتصادية للأسرة، وعندئذ قد تكون مشاعر الآباء نحو الصغار تتسم بالكراهية وعدم الاهتمام والقسوة في التعامل وكأن الأبناء قد جاءوا إلى الحياة رغم أنف الآباء.
من هذا يتبين أن العلاقات الأسرية والأدوار التي يقوم بها الآباء والأمهات هي المسؤولة عن التنشئة الاجتماعية السوية أو غير السوية.
مرحلة النظام وأثرها على التنشئة الاجتماعية
تعرف مرحلة الطفولة بمرحلة النظام، فالطفل يتعلم في هذه المرحلة السلوك المناسب في الوقت والمكان و الموقف المناسب، بل ويفهم الأسس التي تقوم عليها هذه العملية حتى لا يخضع للنظام إكراها، بل يكون محببا إلى نفسه، ويتجه عن طواعية ورغبة.
والصغير خلال نموه في مدارج العمر يتأثر بالقوى الاجتماعية المحيطة، عن طريق الأسرة والمجتمع ومن المفروض أن يتكيف لنماذج الحياة السائدة في البيئة وإلا فإنه يعتبر جانحاً شاذاً في سلوكه.
والأسرة هي المكان الأول الذي يتعلم فيه الطفل نماذج السلوك في الحياة، فهي الأساس وراء اكتساب العادات والتقاليد والقيم، وكلما كانت العلاقات الأسرية في مسارها الطبيعي كلما أدى ذلك إلى وجود توافق نفسي بين الصغير وأسرته، حيث يكون الطفل آمنا مطمئنا متزناً في انفعالاته وعواطفه.
بينما عند وجود التفكك الأسري أو عند عدم توافق ترشيد الآباء نحو تنشئة الصغار على مسارات قوية، لا يستطيع الصغير التكيف مع حياته ولا يتحمل مواجهة مشكلاته، وقد يترتب على ذلك الأنطواء والكبت لمشاعر الصغير حيث يتجنب الإيذاء من غيره. وقد يلجأ إلى أساليب غير مشروعة اجتماعياً فيكذب ويسرق ويغش وينحرف سلوكه عن جادة الصواب.و بهذه الكيفية تحدث الانحرافات السلوكية نتيجة لسوء توافق الصغير من بيئته وتبريره لسلوكه الخاطيء، من أنه غير مسؤول عن ذلك بل إن اللوم كله يقع على من أخطأوا في حقه وفي دفعه لهذا الطريق.
واتباع النظام من شأن الصغير، والكبير أن يتحقق لديه الشعور بالأمن والطمأنينة، بل إنه وسيلة الإنسان في معرفة حدود الخير وحدود الحرية والفوضى، لذلك نحتاج في تنشئة الصغار إلى تدريبهم وتعويدهم النظام في حياتهم،وقد يكون التدريب على النظام صارماً عندما يغالي الآباء في تنشئة الصغار على النظام،وقد يكون الأمر فيه تهاون وعدم مبالاة أو سوء توجيه من الآباء، الأمر الذي يترتب عليه وقوع الصغير في فوضى واضطراب وعدم تقدير للنظام.
والصرامة كأسلوب يتبعه الأباء مع الصغار، ناشئة من كون الآباء أنفسهم كانت تنشئتهم تتسم بالصرامة من قبل آبائهم، بل إن آباء الآباء(الأجداد) كانوا يعاملون أبناءهم وكأنهم رجال، وكانت وسائل الضرب والتعذيب والحرمان من الوسائل التي تعتبر ذات جدوى في تنشئة الصغار.
لذلك قد يتبع الأب نفس الأسلوب الذي أتبُع في تنشئته وهو صغير مع أبنائه الصغار فيغالي في الشدة والصرامة وتأكيد العادات والتقاليد السائدة، الأمر الذي يترتب عنه سلبيات في التنشئة، والتهاون من شأنه ترك الحبل على الغارب وإعطاء الصغير حرية بلا حدود ولا قيود، يفعل ما يشاء في أي وقت ودون محاسبة أو جزاء.
ومن شأن هذا الأسلوب في التعامل مع الصغار عدم الاعتراف بالأعراف والتقاليد المرعية وعدم احترام آراء الكبار والتسيب الكامل في العلاقات الاجتماعية واللامبالاة في حق الأبوين والأخوة والجيران والأهل، والاصطدام بواقع الحياة وتتعدد المشاكل عندما تزداد العلاقات الاجتماعية بين الصغير والمجتمع.
والجنوح والانحرافات السلوكية تنشأ في الاسر التي لا يقر فيها نظام أوتراعي تقاليد أو تحترم حقوقاً وواجبات،وحيث يتصارع الأبوان في واجباتهما الزوجية ورعاية الأبناء أي تتصارع سيطرة الابوين مع أنفسهما ومع صغارهما، وقد يحدث التدليل من جانب الأم أو الأب والمغالاة والصرامة من جانب واحد منهما أيضا ومن شأن هذه جميعها التأثير في سلوك الصغار في دروب الضلال وعدم اهتدائهم إلى جادة الصواب. أي أن التضارب بين سلوك الأبوين من شأنه اضطراب النظام عندا لصغار.
ومن هذا يتضح لنا أن النظام داخل الأسرة يجب ألا يكون متسما بالصرامة أو التهاون أو التضارب.
العلاقات الأسرية وأدوارها في التنشئة الاجتماعية
من الواضح أن الأسرة تلعب دوراً أساسياً في التنشئة الاجتماعية للصغار، ويتأثر سلوك الفرد في مدارج عمره، بما يكتسبه من خبرات الطفولة المبكرة.و هذه الخبرات من نتاج البيئة. والبيئة للطفل هي الأسرة والبيت. ولذلك تلعب الأسرة الدور الأساسي في بناء شخصية الفرد. وتتحدد سمات الشخصية واتجاهاتها، وفقاً لنوع العلاقات بين الطفل ووالديه وأخواته وأقاربه وجيرانه.
ورغم أن شخصية الفرد تتأثر في مراحل الحياة المتتابعة بمؤثرات متعددة فإن الفرد عندما يمتد به العمر وتزداد علاقاته ومصالحه مع الآخرين، ويكتسب العديد من الخبرات فإن جوهر شخصيته يتأثر بخبرات الطفولة المبكرة ونوعية العلاقات المؤثرة في هذه المرحلة من العمر.
وتؤثر العلاقات الأسرية في عمليات التنشئة وفقاً للعوامل التالية:
1 – العلاقات المتبادلة مع الأم: حيث يؤثر جنس المولود.. الذكر أو الأنثى.. على سلوك الأم في علاقاتها الاجتماعية مع أطفالها فقد تؤثر الذكور على الإناث أو العكس وقد يكون سلوكها ظاهراً أو خفياً، وبطبيعة الحال يتأثر الصغير.. الذكر أو الأنثى بسلوك الأم، فالعلاقة بين الأم والصغير علاقة متبادلة.
2 – سلوك الوالدين في التمييز والتعامل مع الأبناء فقد يحدث تفضيل من أحد الأبوين للذكور أو للإناث أو لولد أو بنت صغيرة وينعكس هذا في سلوك أحد الوالدين فإما قسوة أو حنان وإما تعامل متساو مع الأبناء جميعاً.
3 – نوع الولادة وأثرها على معاملة الأم: الولادة العسرة تؤثر على سلوك الأم فتجعلها أكثر مغالاة في حماية صغيرها، وبالطبع يعكس هذا التعامل على الصغير اعتماده فيما بعد على الكبار وخاصة الأم. وقد تغالي الأمهات في ذلك خاصة إذا علمن أنهن لن ينجبن بعد ذلك.
4 – الحرمان من الأمومة: غياب الأم لفترات محدودة من حياة الصغير يؤثر على حالته الانفعالية والحرمان الكامل من الأمومة يؤثر على الحياة العاطفية للصغار وخاصة إذا كانت هناك بدائل للأمهات لايقمن بتقديم معاملة طيبة للصغار.
5 – الاعتماد على الأبوين: يتأثر الطفل في الاعتماد على الأم بصفة خاصة وفقاً لترتيبه الميلادي، والطفل الأول لكونه محط رعاية زائدة من الأم والأب بعد الميلاد كثيراً ما يركن في حياته المقبلة على غيره ويكون اعتماده على ذاته في غير مساره الطبيعي وعادة ما يعتمد الصغير على الأم حتى نهاية السنة الثانية حيث تقع مرحلة حرجة في حياة الصغير وحيث يتعرض للضغوط الاجتماعية لتنمية الاستقلالية لديه ولتعديل سلوكه وفي هذا ما قد يسبب له متاعب نفسية وصحية.
6 – تحكم الآباء بالأبناء: قد يتعرض الأبناء لسلوك السيطرة والخضوع لأوامر الأباء من دون مراعاة لتحقيق مطالب الأبناء، وقد يكون العكس حيث يحدث إذعان من قبل الآباء وتحقيق مستمر لمطالب الأبناء.
وهذه الوسائل من شأنها إيجاد التبعية أو العدوانية والانحرافات السلوكية من جانب الأبناء.
7 – الجو السائد في العلاقات الأسرية: تتأثر التنشئة الاجتماعية للصغار بالجو السائد في العلاقات الأسرية، فقد تزداد خلافات الصغار مع الآباء والأخوة وتصبح واضحة في الطفولة المتأخرة (6-12 سنة) وخاصة بعد سن التاسعة. ونتيجة لذلك تتغير اتجاهات الطفل نحو الوالدين ويتغير اتجاه الوالدين نحو الطفل فقد يوجه الوالدان النقد والعقاب وقد يفتقد الصغير عطف الأبوين وحنانهما. وقد يتعرض لحزم وقسوة من جانب الأبوين.
ويزداد التوتر في علاقات الأخوة الكبار بالصغار، حيث يتعرض الصغار للإيذاء من جانب الأخوة المراهقين أو الراشدين، وحيث تزداد المشاكل عندما يتدخل الآباء لفض المنازعات بين الأبناء.
8 – الرفاق: تأثير الأتراب والرفاق في السنين الأولى من العمر غير مميز، وإن كان الرفاق في الطفولة المتأخرة وإبان فترتي البلوغ والمراهقة لهم دور أساس في سوية السلوك أو انحرافه عند الصغار.
وفي مرحلة المراهقة يشتد تأثير الجماعات التي ينضم إليها الصغير، بحيث تسيطر سيطرة كبيرة على أغلب نشاطه، وحيث يحدث تجمع صغير يحقق رغبات الفتى حيث أن هذه المظاهر تبدو عند الذكور أكثر منها عند الإناث. وهي في صورتها السوية ظاهرة صحية مثل تجمعات الكشافة والجوالة ومنظمات الشباب وفي صورتها غير السوية تبدو في رفقة السوء الذين يتجمعون على قارعة الطريق للسخرية من المارة أو للتدخين في الأماكن المنعزلة البعيدة عن الرقباء، أو للسرقة أحياناً وتقليد أبطال الأفلام السينمائية أو للدخول في سباق السيارات، أو للتفحيط أو ما نشاهده من مروق وخروج على القوانين من بعض الأبناء الصغار والناشئة.
التنشئة الخلقية للصغار
من الناحية الاجتماعية.. أيضا.. إكتساب السلوك الخلقي، والسلوك الخلقي له قواعد يتدرب عليها الصغير ويمارسها وهو سلوك متعلم يكتسبه من البيئة الاجتماعية.ولذلك فالتربية الخلقية تعتمد على :
1 – إكساب الصغار قواعد السلوك و القيم والمعايير والعادات وما يجب عليه فعله أو تركه.
2 – تحويل ما يقوم باكتساب من قواعد السلوك إلى أفعال مقبولة من الناحية الاجتماعية.
والسلوك الخلقي عند اكتسابه يمر بمراحل ومستويات وعلى الأب والمعلم اكتساب الوسائل التي تمكن الصغير من اكتساب السلوك الخلقي مع معالجة المواقف التي يظهر فيها سلبياً ولا تتفق وأسس وقواعد الأخلاق والعادات والتقاليد السائدة.
ومن الواضح أن القدوة الحسنة من الأب والأم والإخوة الكبار والمعلمين والمجاورين والأقارب عاملاً مهماً في إكساب الصغار المباديء الخلقية السليمة.
النمو الديني عند الصغار وأثره على سوية السلوك
ناحية أخرى نود ألا نغفل ذكرها في التنشئة الاجتماعية، بل إنها عماد العلاقات الإنسانية السليمة في المجتمعات وهي التمسك بالعقيدة الإسلامية لأن العلاقات والتعامل الذي يحدده لنا دين الإسلام في حياتنا الدنيا تهدينا دائماً إلى جادة الصواب وإلى السلوك القويم.
لذلك تعتبر التربية الدينية في السنين الأولى من العمر من وسائل تنمية الشعور الديني الصحيح عند الصغار، وإدراك معنى الدين على أنه أسلوب حياة وتراحم وتعاطف وتواد مع الآباء وذوي القربي والجوار والأهل، إضافة إلى أن ممارسة العبادات وأهمها الصلاة في سن مبكرة ، تتحول إلى عادة يمارسها الطفل ويدرك معناها عندما يقترب من سن المراهقة وتكون عندئد خير معين له على الالتزام بتعاليم دينه والتراحم مع أهله وذويه والاستقامة في سلوكه.
وقبل أن ننتقل إلى المرحلة التالية من مراحل العمر- مرحلة البلوغ والمراهقة- وهي من الانحرافات السلوكية فيها ما يسبب القلق والاضطراب عند الآباء والمعلمين وسلطات الأمن، علينا أن نشير إلى أن الأسرة والمدرسة مسؤوليتهما كاملة في التنشئة الاجتماعية السوية في السنين الأولى من العمر.
فالأسرة كما سبق أن أشرنا تتمثل في العلاقة الوطيدة- العلاقة الوثقى بين الأطفال والأم- والعلاقات الأولية التي تربط الصغير بالأب وباقي أفراد الأسرة، وكلما كانت هذه العلاقات سليمة يسودها الأمن والطمأنينة وليس فيها تسلط أو تسيب في علاقات الأب والأم المتبادلة وعلاقاتهما مع الأبناء، كلما أدت هذه العلاقات إلى سوية السلوك خلال الطفولة والمراهقة، وفي هذا ما يخفف من معاناة الصغار كلما امتد بهم العمر اكتمل النضج وأصبحوا قادرين على الحياة، ومزودين باتجاهات سليمة لحياة اجتماعية موفقة.
والأسرة في الواقع إما ريفية أو مدنية، وربما يكون مفضلاً أن نشير إلى أن العلاقات العائلية بين أبناء الريف قد تكون أكثر تماسكاً منها بين أبناء المدن ذلك لأنه كلما تقدمت الحضارة كان ذلك على حساب العلاقات الاجتماعية من ناحية القوة أو الضعف.
والواقع أن الأسرة لها دورها في تكوين شخصية الصغير، وعلاقة الوالدين بالصغير لها أثرها في النمو الاجتماعي، وقد يكون هناك أخطاء في أساليب التربية في تنشئة الصغار، حيث قد تحمل الصغار ما لا طاقة لهم به فيشعرون بالضعف والعجز وأحياناً قد يكون التسلط والقسوة الزائدة في التعامل مع الصغار، مما يترتب على ذلك الشعور بالمهانة والنقص وتزداد تبعاً له الأخطاء من قبل الصغار والتخبط في مسالك الحياة.
لذلك علينا نحن الكبار من الآباء والمعلمين والمسؤولين عن أمن المجتمع الحفاظ على العلاقات السليمة بين أفراده، وأن ننظر إلى سوية السلوك أو انحرافه بين الصغار، على أن تنشئة الصغار وحل مشاكلهم هي من مسؤولية الآباء والمعلمين والمجتمع الثقافي، وأن الأبناء عند انحرافهم في سلوكهم، يجب أن ننظر إلى مشاكلهم الأسرية وظروفهم الاجتماعية قبل أن نقدم على مؤاخذتهم.
التنشئة الاجتماعية في المراهقة
الحياة الاجتماعية عند المراهق أكثر اتساعاً وتبايناً ونشاطاً من حياة الطفولة ومن مظاهر الحياة الاجتماعية في المراهقة، التمرد على سلطة الأسرة، ومحاولة تأكيد الذات والحرية الشخصية، والتمرد على سطلة المدرسة أيضا حيث الخضوع للجماعات المتطرفة في سلوكها وللرفاق في المدرسة والمجتمع، وفي أحيان أخرى الاتصال بالقوى التي توضح للمراهق المسار الصائب للقيم والمعايير والمثل العليا في المجتمع.
ويتميز السلوك الاجتماعي للمراهق بمظاهر التآلف مع الآخرين أو النفور منهم، أو الابتعادعنهم.
وحتى نفهم مشاكل المراهقة علينا أن نوضح مظاهر النمو الاجتماعي في هذه المرحلة الحساسة من مراحل العمر.
1 – مظاهر التآلف: حيث يبدو المراهق أكثر ميلا للجنس الآخر، لزيادة النشاط الجنسي وحيث يحاول- وفقاً لمداركه- الحصول على حقوقه وواجباته، وحيث يحاول في تآلفه الاقتراب من معايير الجماعة والتعاون معهم في نشاطه ومظاهر حياته الاجتماعية.
2 –مظاهر النفور: وفيها يحاول المراهق إقامة فواصل وحدود وحواجز بينه وبين بعض الأفراد والجماعات التي يتعامل ويتفاعل معها، وحيث يقيم لنفسه إطاراً ذاتياً يميز شخصيته عن غيره.
وتبدو مظاهر النفور عند المراهقين في التمرد على الراشدين الآباء والمعلمين ورجال السلطة، والسخرية من القواعد والنظم والتعصب لآراء الجماعات التي ينتمي إليها والتمسك بآراء أقرانه ومزاحمة منافسيه.
السلوك الاجتماعي للمراهق
عند البلوغ يتميز سلوك المراهق أو المراهقة بالهدوء النسبي لحد ما، وخاصة عند الفتيات حيث تكون الفتاة دمثة الخلق تتصف بالوداعة والحياء والتظاهر بالرقة وإرضاء الوالدين.
وأدق مراحل فترات المراهقة المرحلة التي تبدأ من عمر 12-15 سنة، وتعرف بمرحلة الاضطراب حيث يتبع المراهق أسلوب التقليد، وحيث يفرط في الإعجاب بنفسه وبأقرانه، أو بما يراه من مواد إعلامية لا تتفق ومثيرات النشاط الجسمي والنفسي والعقلي والجنسي التي تنتاب المراهق في هذا السن، وقد يقلد المراهق أباه أو زملاءه أو رؤساء الجماعات التي ينتمي إليها، وقد يكون تقليده دون إدراك ووعي للمخاطر التي قد يتعرض لها، أي أن هذه المرحلة يتسم السلوك فيها بالاضطراب واختلال الاتزان.
من عمر 15 سنة حتى 17 أو 20 تبدأ مرحلة تسمى عند رجال علم النفس مرحلة تأكيد الذات والاعتزاز بالنفس، حيث يتميز سلوك المراهق بالانتصار على الزملاء، ويغالي في المنافسة مع رفاقه،وقد يسلك السلوك العدواني،ويتحدى المخاطر ليؤكد ذاته وشخصيته ومكانته وشجاعته، وحيث تكثر المشاكل والانحرافات في هذه الفترة من العمر.
في أواخر المراهقة 19-21 سنة وعند الدخول إلى الرشد، تظهر مرحلة الاتزان الاجتماعي والالتزام بالعلاقات الاجتماعية، وحيث يتميز سلوك المراهق بالتخفف من الاندفاع والتهور والعصيان.
دور الأسرة في السلوك الاجتماعي للمراهق
تؤثر الأسرة بدرجة كبيرة على سلوك المراهق، ويبدو آثار وأدوار الأسرة في حياة المراهق فيما يلي:
1 – حدوث خلافات بين الآباء والأبناء ومرجع هذه الخلافات إصرار الآباء والأمهات على معاملة الأبناء، على أنهم ما زالوا في طور الطفولة، ومطالبة الآباء للأطفال بتحمل المسؤولية ومن أسباب خلاف الآباء مع أبنائهم :
- ما يفرضه الآباء من قيود على الأبناء بالتزام الحزم والنظام.
- مبالغة المراهق في نقد الأبوين أو الأخوة أو الحياة الاجتماعية.
- الحالة الاقتصادية للمراهق من ناحية الملبس والأماكن التي يرتادها والمال الذي يقوم بصرفه والحاجة إلى المصروف الزائد.
2 – الدور القيادي في الأسرة: عند وجود وفاق بين المراهق والأسرة، نجد الأبن يقلد الأب ويتقمص دوره في علاقاته بالأخوة والأم.
ولما كان الدور القيادي في الأسرة- في الأحوال العادية – للأب، فإن الفتى يسبق الفتاة فيما يعرف بالوفاق الأسري، حيث يتولى القيادة الأسرية بعد الأب أو في حالة غيابه أو سفره بعيداً عن الأسرة، إذ أن في هذا إشباعاً لرغبات الفتى أكثر من الفتاة.
والدور القيادي هنا، ليس بالضرورة أن يكون إيجابياً فقد يكون الأب متعاوناً أو متسلطاً، وبالطبع تقمص الفتى للدور يكون مماثلاُ لحد ما لسلوك الأب.
3 – المشاكل الأسرية ونقصد بها الجو النفسي السائد في الأسرة فكلما زادت الثقة والتآلف والوفاء في الأسرة زاد احترام المراهق لذاته وساعده ذلك على أن يكون موضع تقدير أفراد الأسرة وأقرانه وزملائه وكلما زادت الاضطرابات وسوء العلاقة بين الوالدين بصفة خاصة، كان لذلك أثره العميق على حياة المراهق.
لذلك كلما كانت العلاقات الأسرية سوية، انعكس ذلك على هدوء سلوك المراهق وكلما تعداه ذلك إلى طريق الخير والابتعاد عن شرور المسالك وارتكاب الآثام، وكلما اضطربت العلاقات الأسرية جنح هذا إلى شذوذ المراهق وعصيانه وانحراف سلوكه.
هذا بالإضافة إلى أن علاقات الوالدين وعلافة الفرد بأخوته وأقاربه في فترة الطفولة قد تكون سبباً في سعادة المراهق أو شقائه إبان فترة المراهقة إذ أن :
أ – الطفل المدلل في فترة الطفولة يعجز عن الاعتماد على نفسه، يشعر بالنقص ويكون تكيفه الاجتماعي خاطئاً.
ب –والطفل المنبوذ في الطفولة يميل في فترة المراهقة إلى المشاجرة والمعاداة والخصومة ويحاول جذب انبتاه الآخرين ويكون تكيفه الاجتماعي غير سليم.
4 – إتاحة فرص المشاركة الاجتماعية: ونقصد بها الفطام النفسي، حيث يتصل بأقرانه وزملائه ثم يتخفف في الاتصالات للمشاركة بالمجتمع القائم، وبعض الآباء لا يتيحيون فرصة التحرر والتخفف من سلطاتهم مع الأبناء المراهقين مما يضعف من المشاركة الاجتماعية المطلوبة، وتضعف من فرص تدريب المراهق على التعاون وقضاء المصالح وتكوين الصداقات بل قد تكون الآثار السلبية لاتجاهات الآباء في هذا المجال، قد تجنح بالمراهق إلى التمرد والعصيان على الآباء والزملاء والأقران.
5 – المستوى الأسري: ونقصد به المستوى الاجتماعي والاقتصادي، حيث أن تطلعات المراهقين والمراهقات بالنسبة لأقرانهم وزملائهم وأقاربهم، حيث أن اختلاف المستوى الاجتماعي والاقتصادي يؤثر على السلوك الاجتماعي واقتراب المراهق من المعايير والقيم الاجتماعية أو ابتعاده عنها.
البيئة المدرسية وأثرها على المراهق
تعتبر الأسرة الأساس في سوية السلوك أو انحرافه في فترتي الطفولة والمراهقة ولكن المدرسة تلعب دوراً أساسياً أيضا في النمو الاجتماعي للمراهق،والبيئة المدرسية من الناحية الاجتماعية أكبر وأكثر اتساعا من البيئة المنزلية،وتكفل المدرسة للمراهق عدة ألوان من النشاط الاجتماعي، وفي هذا ما يساعد المراهق على سرعة النمو واكتمال النضج.
ويتأثر المراهق في نموه الاجتماعي بعلاقته بمدرسيه وبمدى نفوره منهم، أو حبه لهم، ويتوقف ذلك على شخصية المعلم وإيمانه بعمله وفهمه للمراهق ومواجهته لمشاكل تلاميذه.
الرفاق وأثرهم في النمو الاجتماعي للمراهق
يؤثر الرفاق على المراهق بدرجة كبيرة، وقد يفوق تأثير الرفاق أثر البيت والمدرسة ونشاط جماعة الرفاق يقوم على التفاهم بين أفراد الجماعة، واتخاذ عرف وتقليد معين لأفراد الجماعة مما يجعل المراهق يقلد زملاءه في الزي واللغة واللهجة والأسلوب. وفي العادة ينضم الأفراد المخلصون المتبعون لسلوك معين لعضوية هذه الجماعة،وقد تسلك جماعةالنظائر مسلكاً عدائياً تجاه الجماعات الأخرى، وقد تحيط سلوكها بالغموض وتغالي في إقامة حدود وحواجز بينها وبين الجماعات والأفراد الآخرين.
النمو الخلقي للمراهق
يرتبط النمو الخلقي بدرجة كبيرة بالنمو الاجتماعي، ويخضع في تطوره لعلاقة الفرد بالمعايير والقيم السائدة في المجتمع، ويعتمد إدراك المراهق لمن حوله من الأفراد وتقديره لهم ومودته إياهم وأمانته وولاؤه لهم، على مدى عطفه وإيمانه بمبادئ الأفراد الذين يعيش بينهم.
والمراهق في نموه الخلقي والاجتماعي يتأثر بالثقافة والحضارة القائمة التي يعيش فيها، فهو يخضع للقيم والمعايير الاجتماعية التي تهدف إلى إيضاح المعرفة له. والتنظيم الاجتماعي ممثلاً في مؤسساته المختلفة (الأسرة – المدرسة – المجتمع) يلزم المراهق في معظم الأحيان بالالتزام بالسلوك الذي يعمل على إقامة مجتمع تسوده العلاقات الودية بين الفرد والجماعة.
والتمثل بالخلق يتبعه السلوك القائم على تكيف العادات والاتجاهات والعواطف والمثل العليا والتي تعمل على توجيه سلوك الفرد.
وأهم الخصال الخلقية تبدو في صورة:
1 – خصائص اجتماعية: حيث يحترم الفرد حقوق الآخرين(الأسرة- الأهل- الجوار- الزملاء) ويثق في الأفراد من حوله، ويتعامل مع الأفراد على أساس شعوره بحقوقه ومميزاته الاجتماعية.
2 – خصال التآلف: حيث تبدو مظاهر المرونة والتآلف وقدرة الفرد على الاندماج في الجماعة التي ينتمي إليها، أو يتجنبها إذا كانت لا تتفق وأهواءه الاجتماعية السليمة.
3 – خصال السعادة: وتبدو في مظاهر ثقة الفرد بنفسه، ورغبته في اكتساب حب الآخرين وقدرته على تهذيبهم وإصلاحهم.
4 – خصال الطموح: وتظهر في طموح الفرد للتفوق بمثله العليا وصفاته الطيبة على أقرانه وقدرته على اختيار النواحي الإيجابية في سلوكه للوصول إلى غاياته ومثله العليا.
وهناك خصال اجتماعية أخرى تتمثل في:
الولاء للجماعة والفرد.
الأمانة في العلاقات الاجتماعية والمالية والعلمية.
تحمل المسؤولية والقيام بالواجبات الخلقية والاجتماعية.
المودة والتي تظهر في الصداقة والمؤاخاة.
بالنسبة لمستويات النمو الخلقي فإن الفرد في طفولته يتبع القيود والأنظمة التي تفرضها الأسرة، ويتكون آنئذ بما يعرف بالضمير، والذي يتطور في إطار معايير الأسرة وقيمها الخلقية، مما يجعله دائماً في محاولة إرضاء الوالدين والأهل والأصدقاء ثم يتطور المراهق بنفس مستوياته حتى يصل من قريب بالمثل العليا الإنسانية.
بالنسبة للنمو الديني، في العادة يمارس المراهق عباداته وفقاً لما اكتسبه من عادات سلوكية ومن توجيه ديني بالتمسك بالعقيدة والعادات إبان مرحلة الطفولة وفي العادة يزداد المراهق تمسكاً بأداء الفرائض المطلوبة عندما يمر بأزمة حادة.. والمراهق يتقبل الاتجاهات الدينية في أسرته ومجتمعه، وقد تبعده الأزمات النفسية التي يتعرض لها خلال الاضطرابات النفسية والعقلية والحسية التي تنتاب المراهق في هذه المرحلة، من العمر، تبعده عن ممارسة العبادات بطريقة صائبة، ولكنه في أواخر المراهقة سرعان ما يثوب إلى رشده ويتمسك بعقيدته.
ونود الإشارة في هذا المجال أيضا إلى أن تكوين الخلق القويم عند المراهق يتمثل في تأثره بعدة عوامل منها:
1 – الثواب والعقاب: فالمراهق يتأثر بالأسرة والمدرسة على السلوك القويم أو في توجيهه لتعديل خصاله، أو في عقابه على أخطائه.
2 – التقليد: يقلد الطفل والديه في الطفولة، ويتطور النمو فيقلد الصغير مدرسه أو رفاقه في الأندية أو في الجماعة التي ينتمي إليها، لذلك يعتبر التقليد عنصراً مهماً في النمو الخلقي للمراهق.
3 – يتأثر النمو الخلقي بتفكير الفرد وتأملاته وإدراكه للمواقف المختلفة ويقوم برسم الخطط الأساسية التي تسير به نحو أهداف الجماعة التي يعيش فيها.
من الناحية الأمنية في المجتمع، فإن الصغار في حاجة إلى العقاب بين آن وآخر ولكن العقاب يجب أن يكون مبنياً على دراسة حالة الصغير والسبب الذي من أجله يعاقب.
فالطفل قد يتعرض لأشد أنواع العقوبة داخل الأسرة، وبمعنى آخر قد تكون تنشئته غير سليمة حيث يتعرض لتربية سيئة.وعلى العكس من ذلك قد يمتنع الآباء والمربون عن معاقبة الصغار.
والعقوبة ليست مجدية في كل الأحيان، كما أن الامتناع عن العقوبة ليس هو السبيل إلى تنشئة طيبة للصغار. لذلك فالأمر في الواقع يعتمد على طبيعة التعامل وأسلوبه مع الصغار من ناحية العقاب أو عدمه.
ولعلنا نتفق جميعاً أن بعض الصغار يعاملون بقسوة زائدة من صفع وضرب وحرمان،ورغم هذا يستمر سلوكهم غير المرغوب فيه، بل إنه بين عالم الكبار الكثير من المارقين والمحرومين عندما يمضون زمناً طويلاً من حياتهم وراء القضبان فإنه حال خروجهم إلى الحياة العامة قد ينتكس حالهم وتزداد الانحرافات السلوكية بينهم.
لذلك تنشئة الأطفال ليست مسؤولية الأسرة في مجتمعاتنا الحاضرة فقط، بل هي مسؤولية تضامنية لكل مؤسسات المجتمع الأسرة- المدرسة- الصحافة- الإعلام- المؤسسات الاجتماعية- المؤسسات المسؤولة عن الضوابط الأمنية وغير ذلك من مؤسسات المجتمع.. وكلما تضامنت هذه المؤسسات في خلق جو اجتماعي سليم يبدأ بالأسرة أولاً حيث ينشأ الصغير على المودة والاحترام والمحبة، فإن الصغير سيكون سلوكه في مدرسته وفي المجتمع متسماً بالتواد والاحترام والتراحم بل إنه يسعى إلى أن يكون مرغوباً فيه ويتعلم كيف يقترب من الناس ويقدرهم ويقدرونه.
إن الانحراف السلوكي عند الفرد إنما ينتج من فقدانه الشعور بالأمن والشعور بمحبة الآخرين، وغالباً ما يكون المنحرف من سلوكه في المجتمع ممن فقد محبة والديه وأهله وذويه في الصغر أو ممن تعرضوا لسوء المعاملة في الصغر.
ومن حيث يسعى الصغار لإعداد أنفسهم للحياة الحضارية عن طريق تقليد الكبار وعن طريق ما يتلقونه من عاطفة من الكبار، فإن المثيرات التي يتعرض لها الصغار قد تكون قوية، في الوقت الذي ليس لديهم سعة الخبرة والاستقرار، الأمر الذي يحتاج إلى معاونة أبويه في إرشاد الصغار وتوجيهم إلى مسالك الطريق الصحيح. والحزم من قبل الآباء يعد ضرورة من ضرورات السير على الدرب الصحيح، أما العقاب فإنه لا يستخدم إلا عندما يعجز الآباء عن إيجاد الوسائل الصحيحة في توجيه الصغار، وليست هناك أسس للعقوبة عند اتباعها، إذ أنها عادة ما تستخدم عندما لا يتسجيب الصغير للنصح والتوجيه، بل إنها تستخدم دون تردد إذا ما سبق التنبيه على الصغير بعدم إتيان عمل معين، ولم يستجب للنصح والتوجيه. كما أن العقوبة تكون على قدر الخطأ فلا مغالاة فيها ولا تخفيف في أسلوبها حتى يكون للردع قيمته عند الصغير.
والعقوبة التي تفشل في تقويم اعوجاج الصغير، تجعله أكثر تحدياً وأسوء سلوكاً مما كان من قبل، فقد تفقده الروح المعنوية عند ازدياد الإيذاء بصورة متكررة او عند عقابه على سلوك خاطيء لا يحتاج إلى القسوة الزائدة عن مخالفته التوجيهات أو الالتزام بالنظام.
وفي العادة ما يكون التهديد الذي يوجه من الكبار إلى الصغار غير ذي جدوى أو يضعف من أثر التأديب، إذا لم ينفذ التهديد حال ارتكاب الصغار الخطأ، حيث إن عدم التنفيذ يذكرهم أن التهديد لن يتم إذا ما ارتكب الخطأ.
المراجع
1 – دكتور محمد عبد الظاهر الطيب (1989): مشكلات الأبناء من الجنين إلى المراهقة،الإسكندرية.دار المعرفة الجامعية.
2- دكتور محمد عبد المؤمن حسين (1986): مشكلات الطفل النفسية- الإسكندرية دار الفكر الجامعي.
3 – دكتور محمد كامل عبد الصمد (1988): طفلك الصغير: المنصورة – دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع.
مـــــــنــــــــقــــــــول