هل الحرية التي أعطاها الاسلام للمرأة تتميز عن الأنظمة الاخرى؟
* حيدر البصري
عرّفت الحرية بتعريفات شتى نذكر منها:
(حق المرء في العيش حراً من دون ضغط أو إكراه أو قهر، وممارسة حرياته كاملة كحرية الفكر وحرية الرأي، وحرية المعتقد).
كما عرفت من قبل الاعلان العالمي لحقوق الإنسان الفرنسي بأنها:
(قدرة الإنسان على إتيان كل عمل لا يضر بالآخرين).
أما وفق الاصطلاح الشرعي فقد عرفت الحرية بأنها:
(ما يميز الإنسان عن غيره، ويتمكن بها من ممارسة أفعاله وتصرفاته، بارادة واختيار من غير قسر ولا إكراه، ولكن ضمن حدود معينة).
من ينظر في هذه التعريفات المتقدمة - باعتبارها نموذجاً يمثل وجهة نظر الإسلام ووجهات النظر المقابلة - يتبين أن الفارق بينها هو في الحدود التي رسمها كل تعريف، فالتعريف الإسلامي وضع الحدود التي تضمن الحرية المسؤولة في حين وسع التعريف المقابل إطار الحرية بالمقدار الذي يوصلها إلى الفوضى.
فالتعريفات المقابلة خاضعة للمذهب الفردي الذي يقدس الفرد، ويطلق حريته بحيث ينحسر دور الدولة في حفظ الأمن والنظام، في حين يتخذ الإسلام طريقاً وسطاً بين إطلاق الحرية، ومصادرتها.
لقد انعكست النظرية الإسلامية، والنظريات المقابلة على مسألة حرية المرأة حتى غدت المرأة في كل الأنظمة الأخرى تتجاوز الحدود في تصرفاتها وسلوكها تحت غطاء الحرية، وهو ما دفع إلى أن ينظر إلى حرية المرأة في الإسلام بالقياس إلى حرية المرأة الغربية؛ مما قاد في النهاية إلى اتهام الإسلام - ظلماً - بمصادرة حرية المرأة، فهل يصح ذلك؟.
إن (المرأة إنسانة كالرجل فلها حقوق وعليها وواجبات كما أن للرجل حقوقاً وعليه واجبات ولذا فان الحقوق الإنسانية التي يتمتع بها الرجل كلها موجودة للمرأة أيضاً من حرية الرأي والعمل والتجارة وغيرها).
فالمرأة لم تكن قد أعطيت حريتها بالقدر الذي أعطاها إياها الإسلام، بناء على الحرية المدروسة المتوازنة، بخلاف الأنظمة الأخرى قديمها وحديثها، فالمرأة لم تحظ(في تاريخ الحضارات القديمة ما عدا الحضارة المصرية بأي نظرة إنسانية كريمة، وإنما كانت عند الرومان واليونان وفي شريعة حمورابي وعند الهنود واليهود والمسيحيين.. محتقرة وملعونة لأنها أغوت آدم، ورجساً من عمل الشيطان، بل هي أحياناً تعد في عداد الماشية المملوكة).
لقد خلق الله سبحانه المرأة لتكون عنصراً فاعلاً في المجتمع الإنساني، لأنها طرف أساسي فيه يقابل الطرف الأول (الرجل)؛ فمنهما يتكون أفراد المجتمع الإنساني؛ قال الله سبحانه: (أفحسبتم إنما خلقناكم عبثا) ، كلا إنما خلقهما لمهمة خطيرة لها أبعادها، كما لها حيويتهاوهذه المهمة الحيوية التي تكون المرأة وفقها فعالة في المجتمع لا يمكن أن يتسنى أداؤها دون أن يكون لها القدر اللازم من الحرية التي تتناسب مع هذا الدور الفاعل والخطير وهو ما توجه إليه الدين الإسلامي، فوفره للمرأة وفق الأطر والضوابط الشرعية.
لقد أعطى الدين الإسلامي للمرأة حريتها في كافة الأصعدة، ولكن الحرية التي أعطاها لها الإسلام تتميز في سموها عن تلك التي أعطتها الأنظمة الأخرى للمرأة؛ فالحرية إذا لم تكن وفق أطر وضوابط لا يمكن أن تسمى حرية، وإنما تدخل في إطار الفوضى، فالمرأة في ظل الأنظمة الغربية أعطيت الحرية، ولكن أية حرية؟ إنها الحرية التي تفتقر إلى الضوابط والأطر الصحيحة؛ لذا نجد انعكاسات هذه الفوضى تتجسد في تفكيك الأسرة التي تعد المرأة عمادها، وكذلك في انعدام القيم في المجتمع الذي تناصف المرأة فيه الرجل.
أما الدين الإسلامي فقد أعطى للمرأة حريتها، ولكنها الحرية المسؤولة، التي تولد في داخل المرأة وازعاً ذاتياً يحول بينها وبين الخروج عن الخطوط التي رسمها الإسلام، والتي يعد الخروج عليها مورد خطر على المجتمع، ولكن هل اقتصرت حدود الحرية الإسلامية التي منحت للمرأة على صعيد دون آخر؟
)إن الحقوق التي يتمتع بها الرجل كلها موجودة للمرأة أيضاً من حرية الرأي والعمل والتجارة وغيرها من سائر الحقوق الإنسانية الأخرى).
من الحريات التي أعطاها الإسلام للمرأة:
1- حرية الاجتهاد وطلب العلم:
)باب الاجتهاد مفتوح في الإسلام لمن كان أهلاً له.. فالحرية ثابتة لكل إنسان شرط أن يكون مسلماً مؤمناً بالغاً عاقلاً)(25) ولم تكن المرأة مستثناة من هذه الحرية؛ فالآيات والروايات لم تستثن المرأة من وجوب طلب العلم، ولم تخص الرجل وحده بطلب العلم؛ فقد وردت الآيات بلسان مطلق وكذلك الروايات، وسنذكر منها على سبيل المثال الشواهد التالية:
(.. وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).
)قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ).
وورد عن رسول الله (ص) قوله: (قلب ليس فيه شيء من الحكمة كبيت خرب، فتعلموا وعلموا، وتفقهوا، ولا تموتوا جهالاً، فإن الله لا يعذر على الجهل) .
وورد عنه (ص) قوله: (طلب العلم فريضة على كل مسلم.. به يطاع الرب ويعبد، وبه توصل الأرحام، ويعرف الحلال من الحرام.. ).
فالشواهد السابقة لم تكن قد استثنت المرأة من طلب العلم وإنما جاءت مطلقة مما يدل على أن الإسلام قد منح المرأة حرية العلم والاجتهاد، بل إن الشاهد الأخير قد أوجب ذلك على المرأة.
2- الحرية السياسية:
يرى الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي في كتاب القانون بأن الإسلام أعطى الحرية السياسية للمرأة، ورد كل أدلة القائلين بعدم حريتها في ذلك، مستفيداً في ذلك من ردود العلماء الأولين.. نورده هنا بتصرف:
أما الكتاب: فلا دلالة في الآية (الرجال قوامون) إلاّ على ما يخص الشؤون البيتية حيث يلزم في البيت الإدارة، والإدارة لابد فيها من مدير، فلا يقاس بذلك ما نحن فيه، ولذا قال سبحانه: (وبما أنفقوا من أموالهم).
وأما السنة: فلا سند نقي فيها، بالإضافة إلى احتمال أنه قضية خارجية لا أنه حكم ويشير إليه ما رووه من أنه لما بلغ رسول الله (ص) أن أهل فارس ملّكوا عليهم بنت كسرى قال: (لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة).
وكذا ما رواه البخاري وابن حنبل والنسائي في هذا المجال.
ويؤيده: إن قوم بلقيس أفلحوا حيث أسلمت وأسلموا معها لله رب العالمين.
وأما الإجماع: فلا إجماع إيجابي، والسلب لا يدل على الإيجاب.
وأما العقل: فما استدلوا له بان المرأة عاطفية صحيح، لكنها أيضاً عقلانية، فمن جانب عاطفية، ومن جانب عقلانية؛ فلا يكون حينئذ دليلاً عقلياً صالحاً لاستناد الحكم إليه.
3- حرية العمل والتجارة:
ليس هناك دليل على منع الإسلام المرأة من ممارسة العمل، ولقد أفتى العلماء بناءً على الأدلة الشرعية بجواز العمل بالنسبة للمرأة، (فإن الحقوق الإنسانية.. من حرية الرأي والعمل والتجارة وغيرها.. فان للمرأة كما للرجل الحق الكامل في ممارسة أي نشاط) ولكن هناك أمراً قد يتعارض مع حرية العمل ألا وهو الخروج من البيت بدون إذن الزوج، ولكن هذا مبني على القول بعدم جواز الخروج من البيت - بالنسبة للمرأة - أما بناءاً على القول بجواز الخروج من البيت بدون إذنه - وهو ما يقول به بعض العلماء - فإن الإشكال المطروح هنا لا يأتي.
إذن فحرية العمل بنفسها ليست محجوبة عن المرأة في الإسلام؛ ولكن بشرط ألا تكون على حساب الجوانب الأخرى من حياتها الأسرية؛ فلو أن حرية العمل تعارضت مع الواجبات الأخرى للزوجة، فإن الواجبات الأخرى تقدم باعتبارها واجبات لا بناءاً على اعتبارات أخرى.
هذه بعض الحقوق التي منحها الدين الإسلامي للمرأة ذكرناها بالمقدار الذي يتناسب والمقام وإلا ففي الموضوع كلام كثير.
منقووووووووووووووول