يؤثر القمر – وهو الجسم السماوي الأقرب إلينا – على الأرض بفضل نوعين من الحركات:
1. النوع الأول يعود لدوران الأرض حول نفسها في 24 ساعة وهو حركته اليومية. واليوم القمري أطول قليلاً من اليوم الشمسي: 24 ساعة 50 دقيقة. هذه الحركة مسؤولة عن ظاهرة المدّ والجزر التي تحدث مرتين في اليوم. الوقت الذي يفصل بين مد وجزر هو 12 ساعة 4/10، وهي الفترة التي تنقضي بين مرورين متتاليين للقمر على مدار المكان. إن الجذب الثقالي للقمر هو الذي يسبب ظاهرة المدّ والجزر بتراكبه مع التأثير الثقالي للشمس الذي يُعتبَر دوره أضعف من دور القمر بمرتين أو ثلاث. ولا تقتصر الاستجابة على المحيطات التي تخضع لتغيرات دورية (مرتين يومياً)، بل يشتمل أيضاً على الفضاء والقشرة الأرضية.
2. الحركة الثانية للقمر هي دورانه حول الأرض. والشهر القمري (28 يوماً) يفصل بين ظهورين للقمر. وخلال الشهر القمري يحدث تغيُّر هام في الشدة الضوئية التي تبلغ أوجها عندما يكون القمر بدراً، أي عندما يكون في مقابل الشمس تماماً. ولتغيرات الزاوية بين الشمس والقمر تأثير هام على ظاهرة المدّ والجزر.
تبلغ ظاهرة المدّ والجزر أوجها عندما يكون البدر مكتملاً وعندما يبدأ القمر بالظهور، أي عندما تتضافر التأثيرات الثقالية للقمر والشمس. أما في الربع الأول والأخير، فإن التأثيرات الشمسية والقمرية تتعاكس.
يضاف إلى هذه التأثيرات الفيزيائية المعروفة منذ أمد بعيد تغيرات أكثر دقة. فقد اكتشف Chapman وBarterls في عام 1940 أن شدة الحقل المغناطيسي للأرض تخضع لتغيرات ساعة بعد ساعة مردها اليوم والشهر القمري. وقد أكد العالمان اليابانيان Matsushita و Maeda هذه الظاهرة وقدَّما ملاحظات إضافية حولها. كما أن الأقمار الصناعية أثبتت أن القمر يستطيع في بعض مواضعه بالنسبة للشمس أن يحوِّل اتجاه الرياح الشمسية – وهو سيل القسيمات الأولية الذي ينبثق باستمرار من الشمس والذي تخضع الأرض لتأثيراته.
المد والجزر الحيوي في آثار جاذبية القمر على الإنسان:
إن تأثير القمر على الإنسان ثابت على مر العصور ومعظم الحضارات تتضمن إشارات إلى هذا الموضوع، وإن كانت تختلف حول الأهمية التي تضفيها عليه الكواكب وعلى تأثيره.
يعتقد إخوان الصفا أن مكانة القمر تلي مكانة الشمس من حيث الأهمية. إلا أن معظم تأثيراته تقتصر على ما يحدث على الأرض من أدوار "أنثوية". وله تأثير في نمو النبات المثمر وذبوله وتكوين الفطور وإنتاج بعض المعادن، كالصخور والملح، وفي تكوين بعض الحيوانات، كالطيور. كما يعتقد إخوان الصفا أيضاً أن مدة حياة الحيوان على الأرض تعتمد هي الأخرى على منازل القمر.
ونشهد اليوم بعد تطور الفيزياء وعلم الفضاء عودة إلى دراسة تأثير القمر علينا مزودين بوسائل دقيقة وموضوعية تقودنا في أبحاثنا الفكرة الحدسية القديمة ذاتها. فمما اكتشف العلماء أن المغناطيسية الأرضية وتأيُّن ionization الفضاء يختلفان ويتبدلان بحسب أطوار القمر. وقد حاول الطبيب النفساني ليونارد رافيتز دراسة تأثير هذه التبدلات على المرضى النفسيين وقام من أجل ذلك بقياس الاختلاف في الكمون الكهربي بين الرأس والصدر عند المرضى النفسيين. وكان الفرق يتبدل بين يوم وآخر بالتوافق مع أطوار القمر وهياج المرضى. وقد انتهى الدكتور رافيتز إلى تفسير ذلك بالقول أن القمر لا يؤثر مباشرة في سلوك الإنسان، ولكنه يستطيع، بتغيير نسب القوى الكهرمغناطيسية في الكون، إحداث كوارث عند الأشخاص غير المتوازنين.
وقد عرضت المجلة الأميركية للطب النفسي في عام 1972 نظرية Arnold Lieber وCarolyn Sherin من قسم الطب النفسي في جامعة ميامي. تفسِّر هذه النظرية (وهي نظرية تستند إلى التجربة الإحصائية) علاقة الجاذبية القمرية باضطراب المزاج. وقد ذكرا فيها: "لقد بات ثابتاً أن القمر، بتأثيره الثقالي على الأرض، هو المحرك الرئيسي للمدّ والجزر المحيطي والفضائي والأرضي. فإذا نظرنا إلى جسم الإنسان على أنه كون صغير يتألف من العناصر ذاتها التي تتألف منها مساحة الأرض (80 % ماء 20 % أملاح عضوية ومعدنية)، لأمكننا أن نقول إن قوى الثقالة القمرية قادرة على ممارسة تأثير مماثل على الماء المتضمن في جسم الإنسان. هكذا يستطيع القمر إحداث تبدلات دورية على الوسط السائل الذي تسبح فيه خلايا جسمنا، بحيث نستطيع التكلم على مدٍّ وجزر بيولوجيين يحدثان تبدلات في المزاج تتظاهر عند الشخص المؤهَّب باضطراب في السلوك.
وقد اختار الباحثان نموذجاً تجريبياً لإثبات نظريتهما، فاختارا دراسة حوادث القتل، فلاحظا بعد إحصاء كل الجرائم التي حدثت في فلوريدا من 1956-1970 وجود ذروة في عدد الجرائم عند كل اكتمال للقمر. وقد رأى الكاتبان أن هذه النتيجة هامة جداً على المستوى الإحصائي.
وقد أظهرت دراسات عديدة وجود دورة قمرية عند الكثير من الحيوانات إذ يرتبط نشاطها بها. وما يبدو مؤكداً اليوم أن وجود أو غياب ضوء القمر لا يفسر كل شيء؛ إذ يمكن أن توجد أقنية سرية أخرى يضبط القمر بواسطتها ساعة الإنسان الداخلية.
لقد أطلق شكسبير على القمر في القرن السادس عشر "سيد الحزن المطلق" وأعلن أن القمر يجعل الأشخاص حمقى عندما يقترب من الأرض.