حقوق الإنسان والسعودية الجديدة
د. هتون أجواد الفاسي
الجمعة قبل البارحة وافقت العاشر من ديسمبر الذي يحتفل فيه العالم بالذكرى الثانية والستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ما أنجز وما تبقى وما ينتهك وكيف يتعامل البشر مع بعضهم البعض، وكيف يستطيع العالم أن يضمن سلامة الحريات وإحقاق الحقوق. ولهذا رُفع الميثاق العالمي لحقوق الإنسان واعتُبر ملزماً لكل الدول دون حاجة للتوقيع عليه لأنها حقوق إنسانية لا يمكن التفريط فيها أو المزايدة عليها كحرية البشر على سبيل المثال.
ويهمنا في هذا السياق الإشارة إلى النقلة النوعية التي تمر بها المملكة خلال هذا العقد فيما يخص موضوع حقوق الإنسان. فهي أسست منظمتين مهتمتين بهذا الشأن؛ الأولى "الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان" الأهلية عام 2004، و"الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان" الحكومية عام 2006. وقد قامت المنظمتان بقيادة العمل الحقوقي الجديد على الساحة السعودية بشكل متفاوت القوة واللين نظراً لحداثة الموضوع على المجتمع الذي كان حتى ذلك الحين يعتبر هذا الموضوع من الموضوعات الشائكة وغير المناسبة لنا بل إن قطاعاً كان يحاول إسقاط البعد الديني على الموضوع معتبرين أننا لسنا بحاجة لتبني هذا الإعلان لتناقضه أو لغنانا عنه في ظل وجود الشريعة الإسلامية. وبالطبع فقد كان الرد على هذا التيار متواصلاً وعقلانياً بإثبات عدم التناقض وحاجة المجتمعات المدنية لنوع من التأسيس الحقوقي وجهات تراقب استقامة إحقاق الحقوق على الصعيدين الحكومي والخاص.
وقد تبنت المنظمتان خلال هذه الفترة العديد من القضايا الملحة وكتبت فيها تقارير وتصريحات واتخذت مواقف إيجابية ودافعت فيها عن مواطنات ومواطنين واستقبلت شكاوى لا قبل لهم بها، وتكللت بتقريرين رسميين عن أحوال حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية للجمعية صدرا بكل شفافية في عامي 2006 و2008 واللذين حصلا على الكثير من الدعم الشعبي والرسمي. وكانت من أهم القضايا التي تناولتها الجمعية والهيئة مسألة نشر الوعي الحقوقي بين جميع فئات المجتمع وأعمارهم وأجناسهم من خلال الدراسات والتقارير وإقامة الفعاليات والندوات ومحاولة الوصول إلى المجتمع سواء في المدارس أو في الجامعات وخارجها. ومن خلال نشر وثائق الأنظمة السعودية، والاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها المملكة والتي تدخل بالتالي ضمن أنظمة الدولة وتصبح ملزمة لها مثل: "الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري"، و"اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة"، "اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة"، "اتفاقية حقوق الطفل"، "الميثاق العربي لحقوق الإنسان"، "إعلان القاهرة"، "البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في المنازعات المسلحة"، "البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل المتعلق ببيع الأطفال وبغاء الأطفال واستغلال الأطفال في المواد الإباحية" (انظر موقع الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان لتفاصيل الاتفاقيات http://nshr.org.sa/TopMenuCMS.aspx?tid=71).
وخلال هذه المدة قامت المنظمتان بتبني العديد من القضايا ومتابعتها من بينها قضية الإيذاء والعنف ضد النساء والأطفال والعمالة الأجنبية، وقضايا زواج القاصرات واستغلال النساء، قضايا السجون وأوضاع المساجين، وهذا يشمل مراكز الأحداث والرعاية الاجتماعية ومراكز التوقيف وغيرها، القضايا التي بها مخالفات قانونية، قضايا المعتقلين السعوديين في جوانتانامو، وغيرها.
وبمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان تقيم المنظمة عدداً من الفعاليات والاجتماعات والندوات في مدن المملكة المختلفة لمناقشة ثقافة نشر حقوق الإنسان وتقويم حالة حقوق الإنسان في المملكة وغيرها من المواضيع.
ولا ننسى أن المملكة أصبحت منذ عام 2006، عند تأسيس "مجلس حقوق الإنسان" في شكله الجديد في 15 مارس عضواً منتخباً فيه مما يلقي عليها مسؤولية مضاعفة تجاه محاربة التعديات التي تجري في مختلف القطاعات على حقوق الإنسان. كما أنه يُتطلب منها أن تتابع التوصيات التي تلقتها بناء على تقديمها تقريرها الأول في الدورة الرابعة للمجلس العام الماضي في فبراير 2009 والتي وافقت عليها المملكة.
وهذا يدلل أخيراً على أن الحديث وتناول موضوع حقوق الإنسان لم يعد من المحظورات وأن المجتمع بل والمسؤولين أيضاً بحاجة إلى التعامل مع قضية الحقوق بشكل أكثر شفافية وانفتاحاً وتقبلاً، فهذه ثقافة ضرورية لكل فئات المجتمع وتعين على نشر العدل والرضا، وأمامنا الكثير من العمل والجهد ومجاهدة النفس.
وكل عام وسنتكم سنة خير وبركة.
جريدة الرياض