إخوتي وأخواتي في الله.. السلام عليكم ورحمة الله.
أبدأ بخير الكلام .. وخير الكلام .. كلام الله .. أبدأ بذكر الله:
"ألا بذكر الله تطمئن القلوب".
بسم الله والحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد قوله الحق:
"قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفواً أحد."، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً.
صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن والاه وتبعه بإحسان إلى يوم الدين.
في حديثنا لحضراتكم نوضح:
التعريف بعلم النفس.. وأهميته في السلوك الإنساني.
يقول تعالى في محكم تنزيله: "لقد خلقنا الإنسان في كبد" (سورة البلد- آية 4).
والكَبَد وفق ما قاله سعيد بن جبير: "هو الشدة في طلب المعيشة" وقال عكرمة: "في شدة وطول" وقال قتادة: "في مشقة" .
والكَبَد أيضاً: بمعنى يكابد أمراً من أمور الدنيا عندما يسعى في مناكبها، وأمراً من أمور الآخرة عندما يجاهد مرضاة لربه، وليكون من أهل اليمين يوم الدين.
وفي رواية أخرى: الكَبَد بمعنى يجاهد مضايق الدنيا وشدائد الأمور.
إن الإنسان هو محور الاهتمام في علم النفس. فالإنسان منذ أن سخرالله له الأرض وما عليها من أنعام. ونعم .. دأب في سلوكه للسعي في مناكبها.. وحيث يقوم سلوكه على تذليل كل الصعاب التي كانت تواجهه.. ويحاول باستمرار أن يعمل عقله في فهم ما يدور حوله من أحداث وظواهر .. وأن يكتشف القوى والعوامل التي تؤثر فيه.. ومن خلاله سلوكه الدائب .. يتغلب على الكثير من العوائق التي تواجهه.
إن الإنسان في سلوكه اليومي وفي حياته المستمرة.. في غدوه ورواحه.. ونهاره وليله.. يحاول وفق ما حباه الله من استعدادات وقدرات جسمية ونفسية وعقلية واجتماعية، أن يربط بين ما خبره في الماضي، وبين ما يواجهه من أحداث وظواهر، أي يربط بين الحاضر الذي يعيشه في وقته الحاضر، والماضي بما عايشه من خبرات وأنشطة وأحداث.. وعادة ما يتذكر ويسترجع ما فعله من قبل ويوازن بين أموره الحاضرة وخبراته السابقة، حتى يتغلب على ما يواجهه من مشكلات الحاضر.
ومن ثم فإن إدراكه للخبرات والأحداث الماضية وتماثلها وتباينها وتقاربها أو تباعدها مع خبرات الحاضر.. كل هذا يُعد دليلاً على أنه يُفكر.. ويسترجع خبراته .. ويدرك ما يدور حوله من أحداث، ويسلك شتى الطرق والوسائل ليتمكن من اكتشاف الحلول وفهم الموقف الحياتي الذي يعايشه.
ونود أن نشير إلى أن النشاط العقلي للإنسان، لا يقف عند هذا الحد، بل يتعدى ذلك إلى ما يمكنه من الوصول إلى التنبؤ بما قد يواجهه من مواقف وأحداث في المستقبل.
والاهتمام بعلم النفس.. يؤكد الاهتمام بدراسة سلوك الإنسان ، أليس كل فرد منا ذكراً كان أم أنثى، يود أن يعرف مسارات وكيفية سلوكه في الحياة اليومية، وكيف يواجه مواقف الحياة المتباينة منذ أن يصحو من نومه وحتى يعود إلى فراشه في المساء.. إن الإنسان الفرد أو الجماعة يقوم في الحياة اليومية، بضروب عديدة وأنماط كثيرة من السلوك البشري.
ومن ثم فإن علم النفس، هو العلم الذي يقوم على فهم سلوك الإنسان الفرد وسلوك الجماعة، ويحاول معرفة دوافع السلوك وما يتبعها من نشاط، ويحاول أن يفسر التشابه والاختلاف بين الأفراد فيما بينهم وهو ما يُعرف بالفروق الفردية بين بني الإنسان، فكل فرد منا نمط بذاته لا يتشابه مع من حوله إلا فيما ندر، حتى الأشقاء والتوائم المتشابهة.. كلٌ له خصائصه وميزاته التي تختلف عن خصائص ومميزات الآخرين.
وعلم النفس هو العلم الذي يهتم بنمو الفرد وتطور سلوكه من خلال مظاهر واحتياجات النمو في مدارج العمر المختلفة منذ تخليق الجنين في رحم الأم وعند خروجه إلى الحياة بعد الميلاد وفي تعاقب العمر حتى أرذل العمر.. وهذا بعض من واقع دراسات علم النفس وشموليته لسلوك الإنسان.
فيما يتعلق بميادين ومباحث علم النفس في عالمنا المعاصر، نجد أن دراسات علم النفس ومباحثه تشعبت للغاية بغية دراسة أعمق لسلوك الإنسان ومن أجل حياة آمنة مطمئنة يحتاجها الإنسان، حيث كثرت الاضطرابات والاختلافات السلوكية وبات الفرد يعيش في فزع مما يحيط به من معوقات لمسيرة آمنة في حياته.
إن علم النفس تتعدد ميادينه وتتشعب من أجل فهم ودراسة السلوك الفردي أو الجماعي .. داخل الحياة الأسرية والعلاقات الأبوية تجاه الأبناء وعلاقات الأبناء بالآباء واستقرار الحياة العائلية، وسلوك الأبناء في المدارس والأفراد في المجتمع، وفي المؤسسات الصناعية والتجارية والإدارية، وفي ساحات الحرب والسلم، وفي داخل الملاعب الرياضية، وفي مواقف الحياة في الأفراح والأتراح، وفي العلاقات السائدة في الدوائر الحكومية، وفي المؤسسات الإنتاجية والمؤسسات الاجتماعية.
وإن ما قمت بذكره يمثل نماذج لا يشمل الحصر الكامل لدراسة السلوك الإنساني الذي هو المحور الرئيسي لاهتمامات علم النفس القائم على فهم طبيعة السلوك، وهو سلوك يتأثر بعوامل عديدة، الأمر الذي يحتاج إلى تحديد ما يؤول إليه، وتفسير السلوك وتقويمه وتعديله، وتوقع ما يمكن أن يكون عليه السلوك في المستقبل أي التنبؤ بالسلوك.
وإذا كنا نحدد مباحث وميادين ودراسات علم النفس، بالاهتمام بسلوك الإنسان.. فما هو السلوك؟ وهل علم النفس قاصر على دراسة سلوك الإنسان أم إنه يدرس سلوك كائنات أخرى، كي يتوصل من خلال ملاحظاته لسلوك هذه الكائنات إلى فهم أعمق عن سلوك الإنسان.
الواقع أن علم النفس يدرس سلوك الكائنات الأخرى، بهدف التعرف على فهم أعمق وأشمل عن سلوك الإنسان.
إن سلوك الإنسان، يمكن تحديده وفق ما يأتي:
1- السلوك الظاهر: كالأكل والشرب والمشي والتعامل اليومي بكافة أنشطته في مواقف الحياة اليومية.
2- السلوك الباطن: أي الخفي كالعمليات العقلية المختلفة كالتفكير والتخيل والتذكر والإدراك والفهم وغيرها، أو السلوك الانفعالي والعاطفي كالغضب والحزن والاكتئاب والقلق.
3- السلوك الفطري: الذي يزود به الإنسان عند خروجه إلى الحياة، كتناول الطعام والشراب والأمومة والعدوانية.
4- السلوك المكتسب: والذي يكتسبه الإنسان ويتعلمه من حياته الاجتماعية ومن التنشئة الاجتماعية، ومن خلال اكتسابه للمعارف والتعليم وبناء الأسرة، والتعامل مع الآخرين، وضروب أخرى عديدة.
5- السلوك السوي: الذي يتفق والعادات والتقاليد السائدة في المجتمع، سواء كانت هذه العادات تتفق مع التعاليم الإسلامية السمحة، داخل المجتمعات الإسلامية، أو مع عادات المجتمع وتقاليده في المجتمعات المختلفة.
وعلم النفس كغيره من العلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية الاجتماعية يعمل على وصف ظواهر السلوك ومن ثم يُفسر ضروب السلوك الإنساني، ويبحث عن كل الوسائل التي تمكنه من فهم أعمق لسلوك الإنسان، وإذ ذاك يدرس أيضاً سلوك الحيوان، ليسهل عليه فهم سلوك الإنسان.
وضروب السلوك الإنساني.. تتمثل في:
السلوك اللفظي.. والسلوك المكتسب والحسي والحركي والسوي والمنحرف.
وشروط وعوامل إحداث السلوك: حيث يهتم علم النفس بدراسة الاستعدادات والدوافع والميول التي تحكم السلوك. إضافة إلى معرفة كيف نتعلم، ومتى يتم التعلم، وماذا نتعلم، وما هي ضوابط التعلم.
وكيف نفهم ونفكر ونتخيل ونتصور، وهل التفكير يختص بمناطق معينة في المخ. وما هي القدرات العقلية التي يتميز بها أفراد معينون دون غيرهم.
وما هو تأثير الانفعالات على التفكير؟ وهل تقوم الحيوانات بعملية التفكير؟ وكيف لنا أن نتذكر الأحداث الماضية بتفاصيلها وأزمانها؟ وما الذي يُسهل عملية التذكر واستدعاء الخبرات والأحداث الماضية؟ وكيف ننسى؟ وما هي الأسباب وراء النسيان، وكيف يمكن أن نقوي الذاكرة؟
وكيف تنمو عواطفنا تجاه الآخرين؟ وما المقصود بالانتماء العاطفي؟ وهل هناك صلة بين انفعالاتنا وما ينتابنا من أمراض جسمية وعقلية؟
وما هي وسائط استشعارنا بالأمن والأمان في حياتنا؟ وما هي مسببات عدم الاستقرار وسوء التكيف في واقعنا الاجتماعي؟
وكيف يشذ بعض الأفراد في حياتهم وتعاملهم الاجتماعي. وكيف نفسر السلوك الإجرامي؟
وكل ما سبق هو أمثلة ونماذج من السلوك الإنساني، وليست حصراً كاملاً للكشف عن السلوك الإنساني المتكامل، وكيفية التوافق الذاتي، والتكيف الاجتماعي في الحياة الاجتماعية.
وقد يسألني سائل: ما صلة علم النفس بالهدي الإسلامي؟
الواقع أن المنهج الإسلامي والشريعة الإسلامية المستمدة من كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من عزيز حكيم، والسنة النبوية المطهرة المتمثلة في أقوال وأفعال الهادي البشير صلى الله عليه وسلم والذي ترك عليها أمة الإسلام من خلال التمسك بها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، هما من المصادر الرئيسة للمعارف النفسية التي تحدد السلوك الإنساني، الخاص بالحياة الفاضلة على المستوى الفردي والجماعي، وحيث نجد إيضاحات كاملة لأحوال النفس وطرق علاجها والوقاية منها، إضافة إلى تفسير لحاجات النفس والجسم والروح، وكيفية تحقيق التوازن والتكامل بينها، والهداية واستقامة السلوك واقتضاء الصراط المستقيم والمعاملات التي تحقق توافق الفرد مع خالقه الأعظم، ومع نفسه ومع الناس من حوله، مما يشعر الإنسان بآدميته وأمنه وأمانه في الدنيا والآخرة، وما يُصلح أمره وأمر الناس حوله.
وقد يرد إلى خاطر السامع: ما هي مجالات ودراسات واهتمامات سلوك الإنسان؟
الواقع أن اهتمامات ودراسات ومجالات علم النفس، تقوم على دراسة سلوك الإنسان من خلال:
1- دراسة الاستعدادات والقدرات الخاصة في النواحي الجسمية والحركية والحسية والنفسية والعقلية والانفعالية والاجتماعية.
2- الدوافع التي تحرك السلوك، سواء كانت دوافع نظرية أو وراثية أو أساسية أو مكتسبة أي ثانوية.
3- التعامل القائم بين الإنسان وبين بيئته الاجتماعية، وما يصدر عنه من نتاج عقلي وتصرف واتجاهات ومشاعر وميول وسلوك أخلاقي وديني واجتماعي.
4- ما يصدر عن الإنسان من نشاط عقلي يسيطر عليه الذكاء، والعمليات والأنشطة العقلية كالتفكير والفهم والإدراك والتذكير والتخيل والتصور والتعليم، وتباين القدرات والمهارات العقلية عند الإنسان، إذ أن البشر يختلفون في قدراتهم كالقدرة اللغوية والحسابية وغيرها، مثلما يختلفون في نسب الذكاء.
5- ما يستشعره الإنسان من انتماءات وعواطف وانفعالات كالغضب والغيرة والخوف والحب والبغضاء، وما يترتب على ذلك من الصحة النفسية أو عدم توافرها.
6- دراسة اتجاهات الأفراد نحو المجتمع بمقوماته البشرية والمادية، وما تؤثره الاتجاهات في الإدراك والتفكير. وسوية السلوك أو انحرافه، والعوامل المسببة لذلك، والأمراض المصاحبة أو التوافق في الحياة الاجتماعية.
هذا وتتعدد ميادين واهتمامات علم النفس وتتفرع إلى فروع عديدة نذكر منها على سبيل المثال:
1- علم النفس العام: والذي يدرس كل ما يتصل بالأنشطة العامة والمبادئ والقوانين العامة لسلوك الإنسان.
2- علم النفس الفارقي: أو ما تعرف بسيكولوجية الفروق الفردية، وحيث يكون الاهتمام بالفروق الفردية والجماعية للسمات البشرية وأسباب الفروق وأوجه الاتفاق والاختلاف بين البشر.
3- علم النفس الارتقائي: أو ما يعرف بعلم نفس النمو، ويهتم بدراسة مراحل النمو المختلفة أثناء الحمل وبعد الميلاد وفترة الرضاعة والفطام والطفولة المبكرة والوسطى والمتأخرة والبلوغ والمراهقة والشباب والرجولة والشيخوخة وأرذل العمر، وخصائص كل المراحل العمرية ومظاهر النمو من النواحي الجسمية والحركية ولحسية والعقلية والنفسية والانفعالية والاجتماعية.
4- علم النفس الاجتماعي: ويهتم بالخصائص النفسية للجماعات وأنماط التفاعل الاجتماعي والتأثيرات التبادلية بين الأفراد مثل العلاقة بين الآباء والأبناء داخل الأسرة والتفاعل بين المتعلمين والمعلمين وبين العمال والأعمال. ويهتم بدراسات عن الاتجاهات والقيم والتعصب والحروب النفسية والدعاية والإعلان.
5- علم نفس الشواذ: ويهتم بدراسة السلوك السوي وإيضاح السلوك المنحرف كالجرائم والانحرافات السلوكية الشاذة وأسبابها وتفسيرها وأفضل الأساليب العلاجية.
وهناك دراسات تطبيقية ذات أهمية في الحياة الاجتماعية، تقوم على أسس الدراسات النظرية لعلم النفس وهي:
1- علم النفس التربوي(أو التعليمي): ويهتم بالمواقف التعليمية والتربوية لتحقيق أكبر قدر من الكفاءة في العملية التعليمية ويدور حول محاور العملية التعليمية: المتعلم/ المعلم/ المنهج الدراسي، ويعمل على حل مشكلات التعليم من حيث أفضل طرق التعلم، وعلاج التخلف الدراسي والتفاعل القائم بين المعلم والمتعلم.
2- وهناك أيضاً علوم أخرى تطبيقية لعلم النفس منها:
- علم النفس الصناعي.
- علم النفس الإداري.
- علم النفس الجنائي (سيكولوجية الجريمة).
- علم النفس الحربي (علم النفس العسكري).
- علم النفس العيادي (الإكلينيكي) أو ما يعرف بالعلاجي.
وبعد .. في نهاية حديثي أرجو أن يعلم الجميع أن علم النفس هو علم حياة الإنسان وسلوكه والتزامه في حياته الاجتماعية بتعاليم دينه وشريعته السمحاء، وتفاعله مع ذاته ومع الآخرين في حياته، بل هو العلم بتعاليم دينه وشريعته السمحاء، وتفاعله مع ذاته ومع الآخرين في حياته. بل هو العلم الذي نحتاجه من بدء صحونا حتى نعود إلى فراشنا. ولهذا فهو قائم على حل كل المشكلات التي تواجهنا في الحياة.
وحبذا لو أن هناك مشكلات فردية أو جماعية أو أسرية أو تعليمية يراد الاستفسار عن كيفية التوصل إلى الحلول المناسبة لها أن يوافي بها برنامج باب عسى أن نستجيب قدر طاقاتنا في تقديم الحلول المناسبة.
غاية ما نرجوه من المشاركين والمشاركات الأفاضل في هذا البرنامج أن تكون المشكلات واقعية ولا مبالغة فيها، وأن تكون ذات عائد عند تقديم الحلول الخاصة بها لأكبر عدد من المشاركين.
اسأل الله أن ينفعنا جميعاً بما نعلم ونتعلم.
وأن يرشدنا إلى جادة الصواب.
ويجعل حياتنا مليئة براحة النفس وهدوء البال واستقامة الطريق الذي يقربنا إلى الله تعالى فهو سبحانه نعم المولى ونعم النصير
أستاذ دكتور/ عبد المجيد سيد أحمد منصور
أستاذ علم النفس
مــــــنـــــــقـــــــووووول