حوار؟ أم حرب؟!
فتحت ثورة التقنية الآفاق، وإذا كنا في السابق نقسّم المجتمع إلى جيل قديم، وآخر جديد
فتحت ثورة التقنية الآفاق، وإذا كنا في السابق نقسّم المجتمع إلى جيل قديم، وآخر جديد، فإن موجة التقنية قسمت الجيل الجديد ذاته إلى أقسام عديدة، ما بين جيل أجهزة الكمبيوتر العادي، وجيل الأجهزة الذكية، وجيل الفرعنة في استخدام تفاصيل خدمات تلك الأجهزة ومطاردة كل شاردة وواردة تقنية، وحفظ مميزات كل جهاز. إنه صراع بين جيلين، وهو ليس صراع "حرب"، بل هو صراع "فهم"! بمعنى أن من يعيش في بحر الخمسين ولديه أبناء في العاشرة لن يستطيع أو يتمكن من فرض هيمنته عليهم بالقوة، ما لم يتخذ من الحوار منهجاً لفهم الابن والدردشة معه، وفهم احتياجاته وتصوراته، واللافت أنه يحتاج أحياناً أن يحاورهم إلكترونياً، ربما ليلامس شغاف قلوبهم!
البعض يلقي محاضرات طويلة على أبنائه مستعرضاً البطولات، وكيف كان يقضي ثلث يومه في تضييف الناس وصبّ القهوة لهم طوال النهار، وعلى بسالة هذه المحاضرة وأصالتها وقيمتها في تأكيد الذي بذله الجيل السابق في الكرم والضيافة وبرّ الوالدين، إلا أنها وإن كانت بديعة وساحرة ومشوقة فستدخل من الأذن اليمنى، وتخرج من الأذن اليسرى، من دون أن يمتثل الشبان شيئاً مما قاله له الأب. لا يمكن للأب أن يصل لأبنائه إلا من خلال رسم حوار مشترك، فيقتربون باتجاهه خطوات ويقترب باتجاههم خطوة، فيلتقون في منتصف الطريق بين مساحة البعد الشاسعة بين كل تلك الأجيال.
ألاحظ أن الشباب في العالم العربي يشكّلون أغلبية ساحقة في المجتمعات، لكن المسؤولين عن المؤسسات أو الأنشطة أو البرامج أو المديرين الذين يديرونهم في وظائفهم لا يتفهّمون فارق السن، البعض ليس لديه استعداد لإجراء حوار حتى مع من هو أصغر منه سناً، لهذا يحدث أحياناً الصراع بين الجيلين الذي طالما حذرت منه في مناسبات عديدة. لا بد من أن نستبدل لغة صراع الأجيال إلى الحوار والتفاهم بين الأطراف والأعمار والأنماط كافة. ليس عيباً أن يحاور الكبير صغيراً، ولا أن يقتنع برأي الصغير، والمثل الذي يقول: "أكبر منك بيوم أعلم منك بسنة"، ليس على إطلاقه، فهناك أطفال بعقول الكبار، وهناك من هم بأعمار الأجداد ولكنهم لا يستطيعون استيعاب تغييرات العصر وتحولاته أو طفراته وموجاته.
أتمنى أن نستطيع بدء عصر حوار طويل بين الأجيال المتلاحقة، وهي أجيال لحق كل جيل منهم بموجة معيّنة، من الطفرة المالية والنفطية، إلى موجات السياسية والجدل الأيديولوجي والشيوعي، إلى جيل الزلزال التقني، وهو جيل على مستوى كبير من الاعتداد بالنفس والرفض للوصايات بأنواعها وأصنافها.
الوطن