تعتبر حياة البادية نوعاً خاصة من امتزاج الأنساب و نمطاً فريداً من أشكال الحياة
بما تحتويه من أساليب العيش و طرق التفكير،
و هذا الكيان المكاني هو الحاضن الاجتماعي للقبيلة،
وهو أيضاً البيئة التي تتكيف القبيلة على اختلاف تقوسها و قسوة أجوائها،
و من هنا فإن القبيلة تعتبر كياناً اجتماعيا يقوم على وحدة الانتماء وإخلاص الولاء للقبيلة و أفرادها.
و للقبيلة صنوفاً من العادات و التقاليد تنظم بها أشكال حياتها
و مسار وحدتها و منها على سبيل المثال " المشيخة"
و لعل ما دفعني لهذا الموضوع الجنوح على أعراف المشيخة و خلط في مهامها.
و لا أدعي أني عالم في هذا المجال و لكني سأعرض ما يتوفر لدي من علم و معرفة للقاري
مستنداً على من سبقني في ذلك و مقتبساً منه مع ملاحظة تغير الحال بمرور الزمان على حياة البادية.
كما لا يفوتني اختلاف وجهات النظر بين الباحثين في هذا الشأن
إلا أن المدقق لا يجد صعوبة في تجاوز ذلك اعتمادا على التجربة و الخبرة.
و المشيخة في كل الأحوال تكون وراثية في منبت واحد لمستحقيها
كما يشير إلى ذلك أبن خلدون في تاريخه.
و لا يشترط لأنتقالها أن تكون بالضرورة من الأب إلى الأبن الأكبر
و لكنها على أية حال تبقى في العائلة سواء كانت مشيخة عشيرة صغيرة أو مشيخة القبيلة
كل إلا ما ندّر من حالات رواها لنا التاريخ في طي صفحاته.
وهي- أي المشيخة - لمن يمتاز بالشجاعة و الكرم ،
والشيخ مطاع من قبل العشيرة في كل الأمور وهو مرجع أفراد العشيرة
في شؤونهم كلها، كما أنه هو الذي يملك حق الأمر بالرحيل و بالاستقرار
وهو الذي يأمر بالصلح و تنفيذ الأحكام و أخذ المغانم و إعطاء المغارم
على أنه ملزم باستشارة كبار العشيرة و رجالها المحنكين فإن لم يفعل ذلك
لم يحترموه و تفرقوا عنه .
إذ يجب على الشيخ أن يكون ممثلاً للرأي العام للقبيلة،
و لذلك فإنه قبل اتخاذ أي إجراء يعقد اجتماعات سرية يومية مع كبار رجال القبيلة و وجهائها
و متى تم اتخاذ القرار و اتفق على شن الحرب فإن القيادة عندها تصبح منوطة بالشيخ
و تغدو طاعته واجبة.
وهذه الإجتماعات تتسم بالعقلانية و الهدوء و في بعض الأحيان قد لا تنتهي بالحسم العاجل .
أما في وقت السلم فإن الشيخ لا يستطيع فرض سلطته ما لم يثبت بأنه أب لجميع أفراد القبيلة فعلاً،
إذ يجب أن يعرف المشكلات لكل فرد من أفراد القبيلة كما يجب أن يصدر أحكاماً مناسبة و عادلة
في جميع ما يعرض عليه من قضايا، وفوق هذا كله يجب أن يكون كريماً
و ليس شحيحا على أن يظل بيته مفتوحا لكل زائر و ملاذاً للجميع .
و خلاصة القول أن الشيخ في مفهوم البادية
هو رأس القبيلة و قائدها، وهو ما تجتمع به صفات
الشجاعة و الفراسة و الحكمة و العدل و الشهامة و المروءة .