النص
1 - أن الكتب والبحوث قبل ابتكار طرق النشر بالمطابع التي تخرج منه الآلاف المؤلفة من النسخ، حين لم يكن في الماضي وسيلة لنشر الكتاب إلا الاستنساخ باليد، وقد يقضي الناسخ سنوات في استنساخ كتاب كبير ليخرج منه نسخة واحدة كان الناسخ إذ ذاك يخدم العالم المؤلف حينما ينسخ بقلمه نسخة أو عدة نسخ لولاها لبقي الكتاب على نسخة المؤلف الأصلية معرضا للضياع الأبدي إذا تلفت النسخة الأصلية فلم يكن نسخ الكتاب عدوانا على المؤلف واستثمارا من الناسخ لجهود غيره وعلمه، بل بالعكس كان خدمة له وشهرة لعلمه وجهوده.
2- أما بعد ظهور المطابع، فقد أصبح الأمر معكوسا تماما، فقد يقضي المؤلف معظم عمره في تأليف كتاب نافع، وينشره ليبيعه فيأخذ شخص آخر نسخة منه فينشرها بالوسائل الحديثة طبعا أو تصويرا، ويبيعه مزاحما مؤلفه ومنافسا له، أو يوزعه مجانا ليكسب بتوزيعه شهرة فيضيع تعب المؤلف وجهوده، ومثل ذلك يقال في المخترع.
وهذا مما يثبط همم ذوي العلم والذكاء في التأليف والاختراع حيث يرون أن جهودهم سينهبها سواهم متى ظهرت ونزلت الميدان، ويتاجر بها منافسا لهم من لم يبذل شيئا مما بذلوه هم في التأليف أو الابتكار.
فقد تغير الوضع بتغير الزمن وظهور المستجدات فيه، مما له التأثير الأساسي بين ما كان وما صار، مما يوجب نظرا جديدا يحفظ لكل ذي جهد جهده وحقه.
فيجب أن يعتبر للمؤلف والمخترع حق فيما ألف أو ابتكر، وهذا الحق هو ملك له شرعا لا يجوز لأحد أن يسطو عليه دون إذنه، وذلك بشرط أن يكون الكتاب أو البحث ليس في دعوة إلى منكر شرعا، أو بدعة أو أي ضلالة تنافي شريعة الإسلام، وإلا فإنه حينئذ يجب إتلافه ولا يجوز نشره.
وكذلك ليس للناشر الذي يتفق معه المؤلف ولا لغيره تعديل شيء في مضمون الكتاب أو تغيير شئ دون موافقة المؤلف، وهذا الحق يورث عن صاحبه ويتقيد بما تقيده به المعاهدات الدولية والنظم والأعراف التي لا تخالف الشريعة، والتي تنظم هذا الحق وتحدده بعد وفاة صاحبه تنظيما وجمعا بين حقه الخاص والحق العام، لأن كل مؤلف أو مخترع يستعين بأفكار ونتاج من سبقوه ولو في المعلومات العامة، والوسائل القائمة قبله.
أما المؤلف أو المخترع الذي يكون مستأجرا من إحدى دور النشر ليؤلف لها كتابا، أو من إحدى المؤسسات ليخترع لها شيئا لغاية ما، فإن ما ينتجه يكون من حق الجهة المستأجرة له، ويتبع في حقه الشروط المتفق عليها بينهما مما تقبله قواعد التعاقد. والله ولي التوفيق وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
منقول(((المجمع الفقهي)))