الزراعة في الماء: هي جزء من الزراعة من دون تربة, يتم من خلالها زراعة النباتات في سائل متكون من ماء و محلول مغذي ( سائل يحتوي على المواد الغذائية الأسياسية التي يحتاجها النبات). تكون النباتات مزروعة في أوعية (أصص) موضوعة داخل المواسير و مثقوبة لكي تسمح لجذور النباتات الخروج من الوعاء وإمتصاص المحلول المغذي. يتم ضخ المحلول المغذي في أنبوب رفيع يصل إلى النباتات و يبلّل جذورها. تحدث هذه العملية أوتوماتيكيا بواسطة آلة للضخ. يكون المحلول مخزّنا في خزان موضوع بجانب النباتات. يتميز هذا النظام في أنه لا يتم إستخدام المواد الصلبة فيه (كالتربة, و البيتموس, و البيرلايت, والرمل, و غيرها), بل يعتمد بشكل أساسي على المحلول المغذي. و يتميز أيضا بإنتاج محاصيل بكميات أكبر و بفترة أوجز. أما سلبيات النظام فهي إرتفاع تكلفته (في بعض الأنظمة) و يحتاج إلى أيدي عاملة متخصصة.
لمحة عن تاريخ هذا النظام: منذ قرون عديدة, كان الناس في الصين, و الهند, و مصر يضعون روث (زبل) الحيوانات في أوعية من الماء ثم يتركون الروث حتى يختمر في الماء, ثم يستخدمون تلك الأوعية فيغطّسوا فيها الخيار و البطيخ و خضراوات أخرى. كانت الجنائن المعلقة في بابل قديما تنتهج هذا النظام في زراعة نباتاتها. عام 1929 نجح أحد التلاميذ في جامعة كاليفورنيا بزراعة نبتة الطماطم في محلول مغذي و أطلق على هذا النظام إسم "الزراعة في الماء" أو "hydroponics".
في الستينات و السبعينات, أخذت المشاتل التجارية التي تتبع هذا النظام تنتشر في الكثير من الدول كاللإمارات, و بلجيكا, و الدنمارك (صاحبة حرية الرأي !!), وألمانيا ...
الإحتياجات الأساسية للزراعة في الماء:
1- تأمين نسبة الأكسدة (PH) اللازمة للمحلول (و قد تختلف النسبة بإختلاف المحاصيل المزروعة) بإستخدام الطرق الإصطناعية.
2- على المحلول أن يحتوي على جميع العناصر الغذائية الصغرى (وهي العناصر التي يحتاجها النبات بكميات ضئيلة, وتشمل: الحديد, و المنجنيز, و النحاس, و الزنك, و الموليبديم, و البورون, و الكلورايد) و العناصر الكبرى (أي العناصر التي يستهلك منها النبات كميات كبيرة نسبيا, وتضم: النيتروجين, و الفوسفور, و البوتاسيوم, و الكالسيوم, و المغنيسيوم, و الكبريت). تكون هذه المواد مُذابة بالماء و تُعطى للنبات. لا يمكن للنبات أن يُكمل نموه بشكل جيد إلا إذا وجدت هذه المواد جميعها.
3- يجب تأمين الحرارة اللازمة و التهوية للبيئة المستخدمة أو المحلول الغذائي حتى تنمو جذور النباتات بشكل سليم.
4- على المُزارع الذي يتبع هذا النظام أن يكون على علم بإدراة المحلول المغذي. و أعني بذلك أنه يجب أن يعلم كيف يعدّل المحلول المغذّي ليلائم مراحل نمو النبات المختلفة, و أن يعلم كيف يوزن كميات المواد المغذية فيه.
تصنيفات نظام الزراعة في الماء: هناك أنظمة عديدة متبعة يتم فيها زرع النباتات في محلول مغذي. تختلف تلك الأنظمة عن بعضها من حيث شكل الأوعية و الطرق التي يتم فيها توزيع المحلول و غيرها... و هناك ثلاثة أنظمة مشهورة و متبعة:
1- النظام المُغلق: وهو النظام الذي يُعاد فيه إستخدام المحلول المغذي بعد مروره على النبات. يكون النظام عبارة عن خزان يخرج منه المحلول المغذي (بواسطة مضخّة) متجها إلى النباتات عبر أنبوب رفيع, ثم يعود المحلول إلى الخزان بعد إنتهاء دورته ليبدأ دورة جديدة. و هناك ثلاثة أشكال يتم فيها تطبيق النظام المغلق.
أ- نظام المواسير - (Deep flow technique (DFT
ب- نظام الأكياس المعلقة - Hanging bag technique
ت- النظام المائي العميق - Root Dipping Technique
2- النظام المفتوح: وهو النظام الذي لا يُعاد فيه إستخدام المحلول المغذي بعد مروره على النبات. و يتم تطبيق هذا النظام بأشكال عدة هي:
أ- نظام الأصص (الأوعية البلاستيكية) - Pot technique
ب- نظام الأكياس - Grow bag technique
3- النظام الهوائي: يتم تطبيقه بشكل واحد: من خلال المزارع الهوائية - (Aeroponics (Root mist technique
حسننا, الآن سوف نشرح الأنظمة الثلاثة على حدى و الأشكال التي يطبق بها كل نظام:
أولا: النظام المغلق | نظام المواسير - (Deep flow technique (DFT
يعتبر هذا النظام الأصعب من بين الأنظمة الأخرى. إن النظام بإختصار و كما يدل إسمه عبارة عن مواسير قطرها 10 سنتم لديها فتحات من الأعلى توضع فيها النباتات. ينطلق المحلول المغذي من خران يوضع بجانب النظام و يدخل المواسير ثم يعود إلى الخزان مرة أخرى لكي ينطلق من جديد. تكون المواسير منظمة بشكل خطوط متوازية أو خطوط متعرجة (إعتمادا على نوع النبات). في الإجمال تُنظّم المواسير بشكل خطوط متعرجة لزراعة المحاصيل القصيرة و الطويلة و لتوفير المساحة أيضا.
أما النباتات فتُزرع في أوعية بلاستيكية (أصص) ذات فتحات جانبية عديدة ثم توضع الأوعية تلك في الفتحات الموجودة في المواسير. يمكن تعبئة الأوعية بمواد عديدة منها قشر الأرزّ, و لكن يتم وضع شبك في الوعاء قبل وضع القشر خوفا من تسرّبه إلى المحلول المغذي. يمكن إستعمال بعض الأكواب البلاستيكية - بعد إحداث ثقوب صغيرة في جوانبها - بدلا من الأوعية البلاستيكية. و لتييسير تدفّق المحلول المغذي في المواسير يتم تركيب المواسير بشكل تكون فيه مائلة قليلا.
ثانيا: النظام المغلق | نظام الأكياس المعلقة - Hanging bag technique
هو عبارة عن أكياس من البوليثين (polythene) مصفوفة فوق بعضها بطول متر واحد. يمكن أن تكون الأكياس معبئة من الداخل بمواد عديدة - منها نسيج جوز الهند. من الجهة السفلى تكون مجموعة الأكياس مربوطة و مغلقة, و من الأعلى (حيث تكون جميعها معلقة بشيىء ما) تكون موصولة بأنبوب رفيع يمدّها بالمحلول المغذي. كما ذكرنا آنفا, يتم تعليق مجموعة الأكياس من الأعلى إلى الأسفل (بشكل عامودي). يتم إدخال الشتلات - الموضوعة في أصص أو أوعية بلاستيكية (أنظر إلى صور الأصص في الأعلى) - في فتحات موجودة على جانب الأكياس. يصل المحلول المغذي إلى النباتات من الأعلى آتيا من الخزان. عندما يدخل المحلول المغذي من أعلى الأكياس, يتجه إلى الأسفل مبلّلا بدوره أنسجة جوز الهند و جذور النباتات أو الشتلات. بعد وصوله إلى أسفل الكيس - الذي يفترض أن يكون مغلق - يخرج من فتحات صغيرة تُصنع يدويا تصل المحلول بالماسورة, ثم يعود إلى الخزان لكي يبدأ دورته الجديدة.
ثالثا: النظام المغلق | النظام المائي العميق - Root Dipping Technique
يمتاز هذا النظام عن النظامين السابقين بأنه لا يتم فيه توزيع المحلول المغذي على النباتات بشكل دوراني, بل هو يستخدم مرة واحدة و يتم إستبداله عندما تنخفض نسبة الأكسدة و نسبة المواد الغذائية فيه. النظام عبارة عن حوض مصنوع من الفلّين أو الخشب يُملىء بالمحلول المغذي. ثم يتم تغطية الحوض بلوح أو صفيحة بلاستيكية (سماكة 0.15 ملم أو أكثر) مثقوبة عدة ثقوب لكي تستوعب الأوعية البلاستيكية التي تحتوي على الشتلات. يجب أن يكون عمق الحوض 25 - 30 سم حتى يتسنى تعبئته بكمية كافية من المحلول المغذي. يتم وضع الأوعية (الأصص) في الثقوب الموجودة على اللوح البلاستيكي بشكل يتغطّس فيه آخر 3 سم من كعبها في المحلول المغذي. السبب الكائن وراء عدم تغطيس الوعاء بكامله هو السماح لقسم من الجذور بالبقاء غير مغطسة بالمحلول الغذائي و ذلك لعدم منعها من تنفس الهواء. بإختصار إن هذا النظام سهل و لا يتطلب معدات معقدة و الأهم أنه ليس مُكلف. و الجدير ذكره هو أنه لا يمكن زراعة المحاصيل التي تنمو من درنات (كالبصل, و البطاطا, و الفجل, و الجزر, و جميع النباتات التي تكون جذورها هي الجزء الذي يُؤكل). في الواقع يمكن زراعة تلك المحاصيل و لكن بطريقة خاصة تختلف قليلا عن التي تطرقنا إلى ذكرها (ربما نضيفها مستقبلا).
رابعا: النظام المفتوح | نظام الأصص (الأوعية البلاستيكية) - Pot technique
هذا النظام بسيط و هو عبارة عن أصص مصفوفة إلى جانب بعضها و مملوءة بالبيئة المناسبة (البيتموس, و البيرلايت, و الحصى و غيرها - راجع مقالة الزراعة من دون تربة لمعرفة كيفية ملىء الأوعية بالبيئة اللازمة). يختلف حجم الأصص تبعا لنوع المحصول, فالمحاصيل ذات الجذور الكبيرة تحتاج إلى أصص كبيرة و العكس صحيح. تُروى هذه الأصص بالمحلول المغذي الذي يصلها من خلال أنبوب موصول بخزان يضخ المحلول المغذي.
خامسا: النظام المفتوح | نظام الأكياس - Grow bag technique
يشبه نظام الأصص تمام إلا أن الأكياس تستخدم بدلا من الأصص
سادسا: النظام الهوائي | المزارع الهوائية - (Aeroponics (Root mist technique
هو نظام يتم من خلاله وضع النباتات في ثقوب ضمن لوح خشبي (أو من الفلّين ...) بحيث تكون جذورها متدلّية من أسفل اللوح. يتم رش المحلول المغذي على الجذور المتدلّية كل دقيقتين أو ثلاث دقائق أوتوماتيكيا. تساعد هذه العملية على إبقاء الجذور رطبة. تمتص الجذور قطرات الماء و المحلول المغذي من جراء هذه العملية. تكون الشتلات عادة مزروعة في وعاء (أصيص) ذات ثقوب جانبية, و يوضع الوعاء في الثقوب الموجودة على اللوح, و عندما تنمو الشتلات أكثر فأكثر, تتدلّى جذورها في الهواء بعد أن تخرج من ثقوب الوعاء من الجهة السفليّة للوح. يتم وضع بعض المواد المخصصة للزراعة من دون تربة (البيتموس, و البيرلايت ...) في الأصص لكي تدعم نمو الشتلات. إن هذا النظام صالح بشكل علم لزراعة المحاصيل الورقية (كالخس, و الفجل ..), و من أهم حسنات هذا النظام هو توفير المساحة. فعلى سبيل التوضيح, يمكن تكثيف كمية النباتات الموضوعة في ثقوب اللوح بحيث نُنتج ضعف كمية المحصول, و كل هذا بمساحة صغيرة. والصور الموجودة على يسار الصفحة وفي أسفل كل نظام تفسر ما نشرحه.
عمليات خدمة المحاصيل
1- البيئات المستخدمة في الزراعة في الماء: أولا, يجب أن تأمن البيئة مناخا جيدا للبذور لكي تنمو فيها بسهولة. على المواد المستخدمة في البيئة أن تسمح بالصرف الجيد للماء و التهوية للتربة, و تأمن النسبة المطلوبة من الغذاء للنباتات, و أن تحتفظ بالرطوبة اللازمة, و أن لا تكون مصابة بالأمراض الفطرية (هذه الخصائص مطلوبة في جميع الأنظمة حتى الزراعة في الحقل - هي خصائص عامة).
لذلك فإن المواد التي يمكن إستخدامها كبيئة تنمو فيها البذور هي:
1- قشر نبات الأرز أو القمح.
2- الرمل
3- البيرلايت, أو البيتموس, أو الفيركيولايت (vemiculite - مادة شبيه بالبيرلايت)
4- تربة الحقل (التربة العادية)
- ملاحظة: يمكن خلط المواد المذكورة آنفا بحيث تصنع منها بيئة ممتازة. راجع مقال الزراعة من دون تربة لمعرفة كيفية تحضير خليط من بيئات متعددة.
أكان النظام الذي تستخدمه هو الزراعة في الأوعية أو الزراعة في الماء, عليك أن تعقّم التربة أو البيئة قبل أن تستخدمها (خاصة إذا كانت البيئة هي تربة الحقل).
2- تزويد النباتات بالمحلول المغذي: إنه ليس من الضرورة أن تزوّد النباتات بالمحلول المغذي في فترة ما قبل ظهور أوراقها - فقط إسقها بالماء النظيف. أما بعد ظهور الأوراق على البادرات أو الشتلات, عليك أن تزوّدها بالمحلول المغذي بكميات متصاعدة. يمكنك أن تضيف أيضا الأسمدة العضوية إلى البيئة كل فترة كبديل للمحلول المغذي. راجع مقال الزراعة من دون تربة للمزيد من المعلومات عن كيفية إضافة الأسمدة العضوية. بعد ظهور الأوراق على النباتات ضع الأوعية في حوض قليل الإرتفاع مليىء بالمحلول المغذي بحيث إذا وضعت الأوعية البلاستيكية ينغمر الجزء السفلي منها فقط في المحلول المغذي - كما يظهر في الشكل على اليسار. و لتحضير المحلول المغذي يتم إضافة 10g من المحلول المغذي إلى 10 ليتر من الماء كل يومين.
يمكن أن أيضا أن يُضاف المحلول المغذي إلى الأوعيى البلاستيكية مباشرة (من دون خلطه بالماء) و ذلك من خلال الخطوات التالية: أولا عندما تضيف المحلول المغذي إلى الوعاء لا تدعه يلامس النباتات أو أوراقها. ثانيا, في الفترة الأولى من نمو النباتات عليك أن تضيف من 5 - 10 مليليتر (ml) كل يوم, ثم من 10 - 25 مليليتر عند تخطي النبتة المراحل الأولى من النمو. بعد نمو النبتة أو الشتلة إلى الحجم المطلوب يمكن نزعها من الوعاء و زرعها في التربة العادية في الحديقة, أو تركها تنمو تحت ظل نظام الزراعة في الماء.